للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذات الإلهية ثم يرتقي بعد ذلك إلى مقام الفناء فيفنى عن نفسه وعن فنائه ويمتزج بالله فتتم الوحدة ولا يبقى هنالك غير (وإنما حق في حق) ، وهذه عقيدة وحدة الوجود، واعتقادها كفر كما تقدم، وهيهات أن يمتزج الحق بالباطل، والخالق بالمخلوق، والسيد بعبده، بل العبودية لازمة لغير الله تعالى لا تنفك عنه طرفة عين، وفي الحديث الصحيح: (أصدق كلمة قالها الشاعر؛ ألا كل شي ماخلا الله باطل) أي يلزمه الفقر والعجز، فإذا خيل للمتصوف المتكلف، أنه أمتزج بالله تعالى وصار شيئا واحدا كما استشهد بالبيت فلا واصل ولا موصول ولا خالق ولا مخلوق ولا كامل ولا ناقص بل هما شيء واحد، فقد كَذََبته نفسه، وأضله شيطانه، وسلك غير سبيل المؤمنين، وصار من الزنادقة المضلين، فإن هذا الأمر الذي ادعاه لم يجئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين ولا الأئمة المجتهدين، وكانوا أفضل هذه الأمة وأعلمها بالله وأتقاها له، فعلى قول هذا القائل يكون الصحابة لم يبلغوا درجة الشيخ الواصل، لأنهم كانوا يفرقون بين الحق والخلق وهذا كما ترى واضح، والله المستعان.

الثانية: أن هذا الشيخ الواصل بل الدجال الخائض في الباطل لا يجوز له أن يدعو الناس إلى ضلالته التي سموها هداية إلا بإذن خاص من الله تعالى بزعمهم فهذه الهداية المزعومة إما تكون من دين الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن لا تكون منه، فإن كانت منه فقد أمر الله رسوله وجميع العلماء أن يبينوا العلم لجميع الناس، ولا يكتموه، وأخذ عليهم العهد والميثاق على ذلك، كما في آية البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) } والأدلة على هذا كثيرة معلومة من الكتاب والسنة، وإما أن لا تكون هذه الهداية المزعومة من الدين فلا يجوز لمسلم فضلا من عالم أن ينطق بها ولا أن يبثها في الناس فبطل كل ذلك الهذيان وبالله التوفيق.

الثالثة: وهو قوله صلى الله عليه وسلم لأبي جحيفة: سل العلماء الخ....، لم أجد هذا الحديث فيما عندي من الكتب ولعلي أجده وأذكره فيما بعد وعلى فرض ثبوته فالدجال الذي يبيح الكذب الفاحش وقتل النفس والزنا وشرب الخمر لغرض خيالي سخيف باطل، ليس من العلماء، بل هو من أجهل الجاهلين وأكفر الكافرين، فكيف يكون مرادا بقوله صلى الله عليه وسلم إن ثبت: سل العلماء ... الخ..، ولعمر الله ما هو

<<  <   >  >>