للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذاك الوادي إلا أهلكته؟ قال: فو الله لأهبطنّ، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زمانا، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير ولأطلبنّ الحية فأقتلها أو لأتبعنّ أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي فتكون به وأعطيك ما بقيت دينارا في كلّ يوم، قال: أفاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضيرها، وجعلت تعطيه كلّ يوم دينارا فكثر ماله ونبتت إبله، حتى كان من أحسن الناس حالا، ثم إنه ذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا أنظر إلى قاتل أخي فلان، فعمد إلى فأس فأحدّها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجحر ووقع الفأس بالجبل فوق جحرها فأثر فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه، فلما رأى ذلك وتخوّف شرّها ندم، فقال لها: هل لك في أن نتواثق ونعود إلى ما كنّا عليه؟ فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك «١» وأنت فاجر لا تبالي العهد. فكان حديث الحية والفأس مثلا مشهورا من أمثال العرب. قال نابغة بني ذبيان «٢» :

ليهنأ لكم أن قد نفيتم بيوتنا ... مكان عبدّان المحلىء باقره «٣»

فلو شهدت سهم وأفناء مالك ... فتعذرني من مرّة المتناصره «٤»

لجأوا بجمع لم ير الناس مثله ... تضاءل منه بالعشيّ قصائره «٥»

وإني لألقى من ذوي الضغن منهم ... وما أصبحت تشكو من الشجو ساهره

كما لقيت ذات الصّفا من حليفها ... وكانت تديه المال غبا وظاهره «٦»

تذكّر أنّى يجعل الله جنّة ... فيصبح ذا مال ويقتل واتره

فلما توفّى العقل إلا أقلّه ... وجارت به نفس عن الخير جائره «٧»

فلما رأى أنّ ثمر الله ماله ... وثّل موجودا وسدّ مفاقره «٨»

أكبّ على فأس يحدّ غرابها ... مذكّرة بين المعاول باتره

فقام لها من فوق جحر مشيّد ... ليقتلها أو يخطىء الكفّ بادره

<<  <   >  >>