للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت هذا الغلاء المذكور في الشام هو عندنا في الحجاز رخص، ولقد بلغ ثمن الغرارة الشامية في مكة وقت كتابتي لذكر هذا الغلاء المذكور في هذا التاريخ فوق ألف وثلاث مائة درهم.

وفيها قدم حاجاً ملك التكرور موسى بن أبي بكر بن أبي الأسود في ألوف من عسكره للحج، فنزل سعر الذهب درهمين، ودخل إلى السلطان، فسلم ولم يجلس، ثم أركب حصاناً. وأهدى هو إلى السلطان أربعين ألف مثقال وإلى نائبه عشرة آلاف، وهو شاب عاقل، حسن الشكل، راغب في العلم، مالكي المذهب.

قلت: ومن عقله أني رأيته في منزله في الشباك المشرف على الكعبة بحي رباط الحوري، وهو يسكن أصحابه التالدة عند هيجان فتنة ثارت بينهم وبين الترك، وقد شهروا فيها السيوف في المسجد الحرام، وهو مشرف عليهم، فيشير عليهم بالرجوع عن القتال.

شديد الغضب عليهم في تلك الفتنة من رجحان عقله إذ لا ملجأ له، ولا ناصر في غير وطنه وأهله، وإن ضاق الفضاء بخيله ورجله.

وفيها مات بمصر المفتي الإمام الجليل القدر بين الأنام، الزاهد نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي كهلاً، وهو الذي أذى ابن تيميه، وأقدم على الإنكار الغليظ الباهر على السلطان الملك الناصر، وتسلم من بطشه وفتكه القاهر، ولم يزد على الأمر بإبعاده، وإخرإجه من بلاده وقيل: إنه أمر بقطع لسانه، فتلجلج وظهر الخوف في جنانه، فقال السلطان لو ثبت لكان عندي عظيم الشأن.

وفيها مات مخنوقاً، الصاحب الكبير، كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطي السلماني بأسوان، وكان قد نفي إلى الشويك، ثم إلى القدس، ثم إلى الأسوان، ثم سبق سراً، وكان هو الكل وإليه الحل والعقد بلغ. من الرتبة ما لا مزيد عليه، وجمع أموالاً عظيمة، فأعاد أكثرها إلى السلطان. وكان عاقلاً ذا هيبة وسماحة، فمرض مرة، فزينت مصر لعافيته، وكان يعظم الدينين، ولم يرو ايثاره.

وفيها مات في ذي الحجة بدمشق، المفتي الزاهد، علاء الدين علي بن إبراهيم بن

<<  <  ج: ص:  >  >>