للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأني لم أظفر بتاريخ يكون لهم جامعاً لا واقفاً عليه ولا سامعاً.

وأما المتقدمون منهم فقد سمعت بتاريخ الإمام ابن سمرة اليمني، ولم أزل حريصاً على روايته، حتى وقفت عليه، فوجدته قد تتبعهم منذ زمن الصحابة إلى زمانه، فذكر من هاجر من أعيان أهل اليمن، ومن روى منهم الحديث، ومن بعثه النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى اليمن من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، إما قاضياً وإما عاملاً، وقد تعرضت لذكر شيء من ذلك فيما مضى.

ثم ذكر من فقهاء التابعين إلى عصره من أهل اليمن مئيناً عديدة في تاريخه المذكور الموسوم بطبقات فقهاء اليمن، وعيون من أخبار رؤساء الزمن، وذكر أنه اجتمع عند واحد منهم من الطلاب أكثر من مائتي طالب في صنعاء، وهو الإمام زيد بن عبد الله اليفاعي أحد شيوخ صاحب البيان، أخذ عنه كثير ممن رحل إليه من البلدان، وكل ذلك قد قدمت ذكره في هذا التاريخ، وهؤلاء الذين ذكرهم كلهم من الفقهاء، ولم يتعرض لذكر الشيوخ من الصوفية العارفين، وقد أخلي كتابه عن كبار الشيوخ المذكورين، وعمن لم يطلع عليه من الفقهاء النائيين، وعن جميع المتأخرين، ولم أذكر أنا من الذين ذكرهم إلا أفراداً من أعيان أعيانهم مثل هؤلاء الأئمة طاوس، ووهب بن منبه، وعمرو بن دينار، والشيخ عبد الرزاق وآخرين ممن بعدهم، منهم الإمام ابن عبدويه، والإمام زيد اليفاعي، والإمام يحيى بن أبي الخير العمراني وغيرهم، وإنما لم أذكر تاريخ المتأخرين إلا لأنه لا يدل لمن تصدى لعلم من معرفة مواده، وحصول استمداده من مواد التاريخ، وتقدم فيه كتاب يعتمد، ومنه في المولد والوفاة والأنساب والأوصاف يستمد، ولعمري أنه قد كثر في اليمن من السادة الذين جل قدرهم، وشاع ذكرهم، ولم ينتدب لتاريخهم من أظله عصرهم، ولا من تأخر زمانه عنهم حتى اتبعه سالكاً في ذلك الأثر، ومقلداً له في ما ثبت عنده من الخبر، فذلك هو الذي منعني مما ذكرت، وحال بيني وبين ما أردت، بعد ما التمس مني ذلك غير واحد من أهل العلم والصلاح، وله عقيدة حسنة في الأولياء أولي الأوصاف الملاح، فاعتذرت بسبب ذلك إذ لا يكون التصنيف محموداً، إلا إذا كان جميع ما يتعلق به موجوداً، وذلك الذي منعني أيضاً من إكمال شرح قصيدتي الموسومة تباهية المحيا في مدح شيوخ اليمن الأصفيا التي مفتتحها:

نسيم الصباهي يحمل الرسائل ... ونشر الأحبا في الضحى والأصائل

فإني لما بلغت فيه إلى ذكر الشيوخ أولى الأوصاف المشكورة ثنيت العنان في أثناء الميدان من أجل العلة المذكورة، ولم أذكر فيه سوى أربعين شيخاً من السادة الأكابر أولى المقامات العالية، والكرامات الغالية، وشرف الفضائل والمفاخر ممن ذكر فضائلهم يطول،

<<  <  ج: ص:  >  >>