للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كاتبه، وكان فيه كفاية ونهضة، وقدمه الحجاج بسبب ذلك، ولما حضرته الوفاة استخلفه بالعراق، وأقره الوليد بن عبد الملك، وقيل إن الوليد هو الذي ولاه بعد موت الحجاج، وقال الوليد: يوماً مثلي ومثل الحجاج ويزيد بن أبي مسلم كرجل ضاع له درهم فوجد ديناراً. قلت مثل في هذا الحجاج بالدرهم ويزيد بالدينار، فلما مات الحجاج خلفه يزيد فكأنه وجد ديناراً بعد ضياع الدرهم لما رأى من فضل يزيد وحسن عقله وبلاغة لسانه، ولم مات الوليد وتولى أخوه سليمان عزل يزيد المذكور، واستحضره فرآه دميماً كبير البطن قبيح الوجه فقال لعن الله من أشركك في أمانته وحكمك في دينه، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تقل فإنك رأيتني والأمور مدبرة عني، ولو رأيتني وهي مقبلة علي لاستعظمت ما استصغرت ولاستجللت ما احتقرت، فقال سليمان: قاتله الله ما أشد عقله وأعذب لسانه. ثم قال سليمان: يا يزيد أترى صاحبك الحجاج يهوي بعد في نار جهنم أم قد استقر في قعرها، فقال: لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين، فإن الحجاج عاد عدوكم ووالى وليكم وبذل مهجته لكم، فهو في يوم القيامة عن يمين عبد الملك وعن يسار الوليد، فاجعله حيث أحببت. وفي رواية أخرى: يحشر بين اثنين أبيك وأخيك فضعهما حيث شئت. قال سليمان: قاتله الله أوفى لصاحبه إذا اصطنعت الرجال فلتصطنع مثل هذا. فقال: بعض الحاضرين: اقتله يا أميرالمؤمنين فقال يزيد: من هذا؟ قالوا فلان ابن فلان، فقال: والله لقد بلغني أن أمه ما كان يوراي شعرها أذنيها، فما تمالك سليمان إن ضحك وأمر بتخليته، ثم كشف عنه سليمان فلم يجد له خيانة في دينار ولا درهم، فهم باستكتابه، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحيي ذكر الحجاج باستكتابك كاتبه، فاعلمه سليمان أنه لم يخن قط في دينار ولا في درهم، فأجابه عمر بأن إبليس لم يخن فيهما وقد أهلك هذا الخلق، فتركه سليمان. وفيها توفي بخراسان الضحاك بن مزاحم الهلالي صاحب التفسير فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبي، وكان يركب حماراً يدورعليهم إذا أعيى. وفيها لما قتل يزيد بن المهلب في المعركة عمد ابنه معاوية فأخرج من الجيش عدي بن أرطأة وجماعة فذبحهم صبراً فقال الأصمعي: إن الحجاج قبض على يزيد وأخذه بسوء العذاب يعني في زمن ولاية الحجاج على العراق، قال فسأله أن يخفف عنه العذاب على أن يعطيه كل يوم مائة ألف درهم، فإن أداها ولا عذبه في الليل، أوقال إلى الليل فجمع يوماً مائة ألف درهم ليشتري بها نفسه من عذاب ذلك اليوم، فدخل عليه الأخطل الشاعر فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>