للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصبي في نطع الدم، وخرد سيف النقمة ليضرب عنقه، فقال له الضراب: يا سيدي عبدك المذل بنفسه المنقلب إلى رمسه أضرب عنقه وأنا بريء من دمه. قال: اضرب عنقه: فاستأذنه ثانية فأذن له، ثم استأذنه ثالثة فأذن له، فضحك ذلك الصبي وهو في نطع الدم، فقال أقيموه، ثم قال له: يا غلام أنت تضحك في الممات، وتجادل في الحياة، اتستهزىء بنا أم بنفسك؟ قال: يا أمير المؤمنين اسمع مني كلمتين وأفعل ما بدا لك قال: قل قال: فوالله إن هذا أول أوقاتي من الآخرة وآخر أوقاتي من الدنيا، فوالله لئن كان من المدة تقصير وفي الأجل تأخير لا يضرني من كلامك هذا لا قليل ولا كثير، ولكن يا أمير المؤمنين أبيات من الشعر حضرتني اسمعها مني قل: قال: فقال:

نبئت أن الباز خلف مرة ... عصفور برساقه المقدور

فتكلم العصفور في أظفاره ... والباز منهمك عليه يطير

ما في ما يغني لمثلك شبعة ... ولئن أكلت فأنني لحقير

فتعجب الباز المدل بنفسه ... عجباً وأفلت ذلك العصفور

قال فخر هشام بن عبد الملك على وجهه ضاحكاً، وقال: والله لو تلفظ بهذا الكلام في وقت من أول أوقاته وطلب ما دون الخلافة لأعطيته إياه، يا غلام احش فاه دراً وجوهراً، قال: فحشى فاه دراً وجوهراً وأعطاه الجائزة والكسوة وراح إلى أهله مسروراً. وفي السنة المذكورة توفي أبو سعيد بن أبي سعيد المقبري، روى عن سعد بن أبي وقاص، وأكثر عن أبي هريرة رضي الله عنه. وفيها توفي أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي. وتوفي أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي والد السفاح والمنصور، عاش ستين سنة، وكان وسيماً جميلاً مهيباً نبيلاً، وكانت دعاة بني العباس يكاتبونه يلقبونه بالإمام، وكان سبب انتقال الخلافة إلى بني العباس أن محمد ابن الحنفية كانت الشيعة تعتقد إمامته بعد أخيه الحسين، فلما توفي محمد ابن الحنفية انتقل الأمر إلى ولده أبي هاشم، وكان عظيم القدر وكانت الشيعة تتولاه، فحضرته الوفاة بالشام ولا عقب له، فأوصى إلى محمد بن علي المذكور وقال له أنت صاحب هذا الأمر وهو في ولدك، ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة نحوه، ولما حضر محمد الوفاة أوصى إلى ولده إبراهيم

<<  <  ج: ص:  >  >>