للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو العيناء: حسد أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي، واحتيل عليه حتى شهد عليه بخيانة. وقيل عند أفشين، فأخذه ببعض أسبابه، وجلس له، وأحضر السياف ليقتله. فبلغ ابن أبي دؤاد الخبر، فركب في وقته مع من حضر من عدوله، ودخل على الأفشين، وقد جيء بأبي دلف ليقتل، ثم قال إني رسول أمير المؤمنين إليك، وقد أمرك أن لا تحدث في القاسم بن عيسى حدثاً حتى تسلمه إلي، ثم التفت إلى العدول، وقال: اشهدوا أني قد أديت الرسالة إليه، والقاسم حي معافى، فقالوا: شهدنا، وخرج فلم يقدر الأفشين على أن يحدث فيه مكروهاً، وسار ابن أبي دؤاد إلى المعتصم من وقته وقال: يا أمير المؤمنين، قد أديت عنك رسالة لم تقلها إني ما أعتد بعمل خير خيراً منها، وإني لأرجو لك الجنة بها. ثم أخبره الخبر فصوب رأيه، ووجه من أحضر القاسم، فأطلقه ووهب له، وعنف الأفشين فيما عزم عليه.

وكان المعتصم قد اشتد غيظه على محمد بن الجهم البرمكي، فأمر بضرب عنقه، فلما رأى ابن دؤاد ذلك وأن لا حيلة فيه، وقد شد برأسه وأقيم في النطع، وقد هزله السيف قال: ابن أبي دؤاد للمعتصم: وكيف تأخذ ماله إذا قتلته؟ قال: ومن يحول بيني وبينه؟ قال يأبى الله ذلك، ويأباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأباه عدل أمير المؤمنين، فإن المال للوارث، إذا قتلته، حتى تقيم البينة على ما فعله. وأمره بإستخراج ما أختانه أقرب عليك وهو حي، فقال: أجلسوه حتى نناظر، فتأخر أمره على ماله جملة وخلص بحمد الله تعالى.

وذكر الجاحظ أن المعتصم غضب على رجل من أهل الجزيرة، وأحضر السيف والنطع فقال له المعتصم: فعلت وصنعت وأمر بضرب عنقه، فقال له ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، سبق السيف العدل، فتأن في أمره، فإنه مظلوم، فسكن قليلاً، قال ابن أبي دؤاد: وأرهقني البول فلم أقدر على حبسه، وعلمت أني إن قمت قتل الرجل، فجعلت ثيابي تحتي، وبلت فيها حتى خلصت الرجل، فلما قمت نظر المعتصم إلى ثيابي رطبة فقال: يا أبا عبد الله، كأن تحتك ماء؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، ولكنه كان كذا وكذا، فضحك ودعا لي وقال: أحسنت، بارك الله عليك. قال الراوي: وخلع عليه، وأمر له بمائة ألف درهم.

وقال أحمد بن عبد الرحمن الكلبي: ابن أبي دؤاد روح كله من قرنه إلى قدمه، وقال بعضهم: ما رأيت قط أطوع لأحد من المعتصم لإبن أبي دؤاد، وكان يسأل الشيء فيمتنع منه، ثم يدخل ابن أبي دؤاد، فيكلمه في أهله، وفي أهل الثغور وفي الحرمين وفي أقاصي أهل المشرق والمغرب، فيجيبه إلى كل ما يريد، ولقد كلمه يوماً في مقدار ألف ألف درهم ليحفر بها نهراً في أقاصي خرسان فقال له: ونا علي من هذا النهر؟ فقال: يا أمير

<<  <  ج: ص:  >  >>