للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أتمنى؟ فقال: نعم، فقالت: أتمنى أن أغني ببغداد قال: فامتقع لون تميم وتغير وجهه، وتكدر المجلس وقام، وقمنا، ثم أرسل إلي فرجعت فوجدته جالساً ينتظرني، فسلمت عليه، وقمت بين يديه فقال: ويحك، أرأيت ما امتحنا به؟. فقلت: نعم أيها الأمير. فقال: لا بد من الوفاء، ولا أثق في هذا بغيرك، فتأهب للسير معها إلى بغداد، فإذا غنت هناك فاصرفها، فقلت: سمعاً وطاعة، ثم قمت وتأهبت، وأمرها بالتأهب، وأصحبها جارية له سوداء، تعادلها وتخدمها، وأمر بناقة ومحمل، فأدخلت فيه، فسرنا إلى مكة مع القافلة، فقضينا حجنا، ثم دخلنا في خلنا في قافلة العراق وسرنا، فلما وردنا القادسية اتتني السوداء فقالت: تقول لك سيدتي أين نحن. فقلت لها: نزول بالقادسية. فأخبرتها فسمعت صوتها قد ارتفع بالغناء بالأبيات المذكورة، فتصايح الناس: أعيدي بالله، أعيدي بالله، فما سمع لها كلمة. ثم نزلنا " الياسرية " بالياء المثناة من تحت وكسر السين المهملة والراء وبعدها ياء النسبة. وبينها وبين بغداد خمسة أميال في بساتين متصلة ينزل الناس بها ثم يبكرون الدخول إلى بغداد، فلما كان وقت الصباح، إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة فقلت: مالك. قالت: إن سيدتي ليست بحاضرة، فقلت: ويلك، وأين هي؟ فقالت: والله ما أدري. قال: فلم أحس لها أثراً بعد ذلك، ودخلت بغداد وقضيت حوائجي بها، ثم انصرفت إلى تميم فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم لها غماً شديداً، ثم ما زال ذاكراً لها. وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير العارف بالله الإمام أحمد بن أبي الحواري، ريحانة الشام. سمع أبا معاوية وطبقته، وكان من كبار المحدثين وأجلاء الصوفية العارفين، صحب الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبا سليمان الداراني رحمهما الله تعالى.

ومن كلامه رضي الله تعالى عنه: من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب، أخرج الله نور

اليقين والزهد من قلبه، ومن عمل بلا اتباع السنة، فعمله باطل وأفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته، على غير الموافقة، وقال: ما ابتلى الله بشيء أشد من القسوة والغفلة.

وكان سيد الطائفة أبو القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام. وكانت زوجته رائفة الشامية تقول له: أحبك حب الإخوان لا حب الأزواج. وكانت تطعمه الطيب وتطيبه وتقول: اذهب بنشاطك إلى أزواجك، وتقول عند تقريب الطعام إليه: كل فما نضج إلا بالتسبيح، وتقول إذا قامت من الليل:

قام المحب إلى الموصل قومة ... كاد الفؤاد من السرور يطير

وفيها توفي العباس بن عبد العظيم البصري الحافظ، أحد علماء السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>