للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالوا: وكان المبرد يحب الإجتماع بثعلب للمناظرة والإستكثار من ذلك، وكان ثعلب يكره ذلك ويمتنع منه.

وحكى أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الفقيه الموصلي قال: قلت لأبي عبد الله الدينوي ختن ثعلب:. لم يأبى ثعلب الإجتماع بالمبرد. فقال: لأن المبرد حسن العبارة، حلو الإشارة، فصيح اللسان، وثعلب مذهبه مذهب المعلمين، فإذا اجتمعا في محفل، حكم للمبرد على الظاهر، إلى أن يعرف الباطن. وكان المبرد كثير الأمالي حسن النوادر.

وحكي عن بعضهم أنه رأى المبرد في المنام، وجرى له معه قصة عجيبة. وذلك أنه كان عنده " كتاب الكامل " للمبرد، و " كتاب العقد " لإبن عبد ربه، وهو يطالع فيها، قال: فرأيت في العقد في فصل ترجمته، قوله: ما غلط فيه على الشعراء، وذكر أبياتاً نسب أصحابها فيها إلى الغلط، وهي صحيحة. وإنما وقع الغلط ممن استدرك عليهم لعدم إطلاعه على حقيقة الأمر فيها، ومن جملة من ذكر المبرد فقال: ومثله قول محمد بن يزيد النحوي في كتاب الروضة، ورده على الحسن بن هانىء، يعني أبا نواس، في قوله:

وما لبكر بن وائل عصم ... إلا بحمقائها وكاذبها

فزعم أنه بحمقائها رجلاً، ولا يقال في الرجل حمقاً، وإنما أراد " دغه " بضم الدال وفتح الغين المعجمة العجلية، وعجل في بكر، وبها يضرب المثل في الحمق. هذا كلام صاحب العقد، وغرضه أن المبرد نسب أبا نواس إلى الغلط، يتوهمه أنه قصد " هبنقة " بفتح الهاء والباء الموحدة والنون المشددة والقاف وبه يضرب المثل في الحمق، فيقال أحمق من هبنقة، ولم يقصده وإنما قصد المرأة المذكورة، فالغلط حينئذ من المبرد لا من أبي نواس، قال: فلما كان بعد ليال قلائل من وقوفي على هذه الفائدة، رأيت في المنام كأنا قد صلينا الظهر، فلما فرغنا من الصلاة، قمت لأخرج، فرأيت شخصاً واقفاً يصلي، فقال لي بعض الحاضرين: هذا أبو العباس المبرد، فجئت إليه وقعدت إلى جانبه انتظر فراغه، فلما فرغ سلمت عليه وقلت له: أنا في هذا الزمان أطالع في كتابك الكامل، فقال لي: رأيت كتابي الروضة؟ فقلت: لا، وما كنت رأيته قبل ذلك. فقال: قم حتى أريك إياه. وصعد بي إلى بيته، فرأيت فيه كتباً كثيرة، فقعد يفتش عليه، وقعدت أنا ناحية عنه، فأخرج منه مجلداً، فدفعه إلي ففتحته وتركته في حجري، ثم قلت: قد أخذوا عليك فيه، فقال: أي شيء أخذوا؟ فقلت: إنك نسبت أبا نواس إلى الغلط في البيت الفلاني، وأنشدته إياه، فقال: نعم، غلط في هذا. فقلت: إنه لم يغلط بل هو على الصواب، ونسبوك إلى الغلط في تغليطه. فقال: وكيف هذا؟. فعرفته ما قاله صاحب العقد، فعض على رأس سبابته، وبقي

<<  <  ج: ص:  >  >>