للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيها توفي أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن إبراهيم وزير العزيز بن المعتز العبيدي، صاحب مصر، قالوا: وكان يعقوب أولاً يهودياً يزعم أنه من أولاد هارون بن عمران، أخي موسى صلوات الله عليهما وقيل بل يزعم أنه من ولد السموأل بن عاديا اليهودي، صاحب الحصن المعروف بالأبلق، القائل على ما ذكره بعضهم نسبة إليه:

وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل

في أبيات له منها:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل

وإن هو لم يجمل على النفس ضمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل

وكان يعقوب قد قدم به أبوه من بغداد إلى مصر، وقد تعلم الكتاب والحساب، فجعله كافور الأخشيدي على عمارة داره، ثم لما رأى كافور نجابته وشهامته وصيانته ونزاهته وحسن إدراكه، ولم يقبل سوى قوته، فتقدم كافور إلى سائر الدواوين أن لا يمضي دينار ولا درهم إلا بتوقيعه، فوقع في كل شيء، وكان يبر ويصل من اليسير الذي يأخذه. كل هذا وهو على دينه، ثم إنه أسلم يوم اثنين لثماني عشرة ليلة مضت من شعبان سنة ست وخمسين وثلاثمائة، ولزم الصلاة ودراسة القرآن، ورتب لنفسه رجلاً من أهل العلم شيخاً عارفاً بالقرآن والنحو، حافظاً الكتاب السير، في مكان يبيت عندي، ويصلي به، ويقرأ عليه، ولم يزل حاله يتزايد مع كافور إلى أن توفي كافور في التاريخ المذكور، وكان ابن الفرات وزير كافور يحسده ويعاديه. ولما مات كافور قبض ابن الفرات على جميع الكتاب وأصحاب الدواوين، وقبض على يعقوب في جملتهم، ولم يزل يتوصل ويبذل المال حتى أفرج عنه. فلما خرج من الإعتقال توجه إلى بلاد المغرب، فلقي جوهراً الخادم، وهو متوجه بالعساكر والخزائن إلى الديار المصرية ليملكها، فرجع في صحبته، وقيل بل استمر على قصده، وانتهى إلى إفريقية، وتعلق بخدمة المعز، ثم رجع إلى الديار المصرية، فلم يزل يترقى إلى أن تولى الوزارة للعزيز، وعظمت منزلته، ومهد قواعد الدولة. وكان يعقوب يحب أهل العلم، ويجتمع عنده العلماء، ويقرأ عنده مصنفاته في ليلة كل جمعة، ويحضره القضاة والفقهاء والقراء وأصحاب الحديث والنحاة وجميع أرباب الفضائل وأعيان العدول وغيرهم من وجوه الدولة، فإذا فرغ من مجلسه قام الشعراء ينشدونه المدائح. وكان في داره قوم يتلون القرآن الكريم، وآخرون يتلون الحديث والفقه والأدب حتى الطب، وينصب كل يوم خواناً للخاصة وموائد عديدة لمن عداهم من أهل مجلسه. وكان يجلس كل يوم بعد صلاة الصبح ويعرض عليه رقاع الناس في الحوائج والظلامات. وكان في خدمته قواد من جملتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>