للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغضبوا على صاحب الموصل لكونه رافضياً، ولكونه يساعد المصريين على محاصرة دمشق فأسرع إلى حران، ورماها بالمنجنيق، وأخذها وذبح القاضي وولديه. وفيها توفي الشيخ الإمام المتفق على جلالته وبراعته في الفقه والأصول وزهادته وورعه وعبادته وصلاحه وجميل صفاته السيد الجليل أبو إسحاق، المشهور فضله في الآفاق جمال الدين ابراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزأبادي، وعمره ثلاث وثمانون سنة دخل شيراز، وقرأ بها الفقه على أبي عبد الله البيضاوي، وعلى عبد الوهاب بن رامين، ثم دخل البصرة، وقرأ فيها على بعض علمائها، ودخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، تفقه على جماعة من الأعيان، وصحب القاضي أبا الطيب الطبري، ولازمه كثيراً، وانتفع به، وظهرفضله، وتميز على أصحابه، وناب عنه في مجلسه، ورتبه مفيداً في حلقته، وصنف التصانيف المباركة المفيدة المشهورة السعيدة، منها التنبيه والمهذب في الفقه واللمع وشرحه في أصول الفقه والنكت في الخلاف والمعونة في الجدل، وله شعر حسن، ومنه قوله:

سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل

تمسك إن ظفرت ودحر ... فإن الحر في الدنيا قليل

وقوله أيضاً فيما نقله بعضهم:

أحب الكأس من غير المدام ... وأهوى للحسان بلا حرام

وما حبي لفاحشة ولكن ... رأيت الحب أخلاق الكرام

وقوله أيضاً فيما عزي إليه: حكيم يرى أن النجوم حقيقة، ويذهب في أحكامها كل مذهب يخبر عن أفلاكها وبروجها، وما عنده علم بما في المغيب. وسيأتي ذكر شيء مما قيل فيه وفي كتبه. وذكر الحافظ ابن عساكر أنه كان أنظر أهل زمانه وأفصحهم وأورعهم وأكثرهم تواضعاً وبشرى. انتهت إليه رئاسة المذهب، ورحل إليه الفقهاء من الأقطار، وتخرج به أئمة كبار، ولم يحج، ولا وجب عليه حج، لأنه فقيراً متعففاً قانعاً باليسير. سمع الحديث من أبي علي ابن شاذان وأبي بكر البرقاني وغيرهما، وتفقه على جماعة في شيراز والبصرة وبغداد. قلت وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق المذكور في طبقات الفقهاء قريب عشرة من شيوخه، منهم من انتسب إليه، وأشهرهم في الانتساب إليه والاشتغال عليه والملازمة له والأخذ عنه: الإمام القاضي أيو الطيب الطبري. قال الحافظ ابن عساكر: وكان يظن ممن لا يفهم أنه مخالف للأشعري - لقوله في كتابه في أصول الفقه: وقالت الأشعرية الأمر، لا

<<  <  ج: ص:  >  >>