للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما أعياه العلاج قال لشيخ من مشايخ متطببي الروم: ويحك قد أعيانا داء هذا الفتى، فقال: [٤٣ و] أمّا كلّ علاج يعالج به مثله فقد عالجناه به، ونحن نجد في بعض كتب النبوة أنه لا يصيب هذا أحدا فلا يقلع عنه إلا بذنب، ومن ذلك العقوق، فدعاه أبوه فقال: ما تسمع ما يقول فلان؟ فبكى وقال:

لئن كان ذلك كذلك، لقد عققتك، وسعيت في سفك دمك، أتذكر ما وقفك عليه الرشيد في باب كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: فأنا كنت سببه، حتّى عدّ له أشياء في ذلك الباب، فكان ذلك الداء به حتى قتل.

[[مثل في الوفاء]]

قال: كان رجل ممن يبيع حليّ الصبيان المعمول من الطين، قال: فأوي يوما إلى في [١] قصر الفضل بن يحيى، وغلبته عيناه فنام، وخرج الفضل بن يحيى راجلا بين يديه، وخلفه الخدم يريد بعض منازلهم، فلما قربوا من الرجل صاحوا به، فوثب مذعورا، وتناول ما كان بين يديه فسقط لفرعه [٢] فزجرهم الفضل عنه، ووقف عليه فقال: ما هذا معك؟ فقال: حليّ الصبيان أعمله من الطين يشتري منه الصبي بالكسرة والفلس وما أشبه ذلك، قال:

أفيأتيك منه قوت؟ قال فقال: ربّما أتى، وربّما قصّر، قال: احملوا ما معه، قال: فحمل ودخل إلى جواربه، فلما رأينه استبشرن وجعلن يضحكن، قال فقال: من منكن تريد منه شيئا، قال: فابتدرن كلهنّ، فقال: لا، من أخذت منه شيئا فلتضع مكانه من حليها مثله، فابتدرن إلى ذلك توخيا لموافقته، ثم قال: احملوه إليه، إلى الرجل، فأخذ ما لا يعرف [٤٣ ظ] له قيمة كبيرة، فلم يزل من مياسير أهل زمانه، حتى بلي البرامكة، فلما بلوا جاء فاتخذ دكانا فأقام [٣] بازاء حبسهم، فلم يزل مقيما فيه ينفق عليهم حتى أنفد ما كان معه.

[[مختارات شعرية]]

وأنشد: [البسيط]


[١] الفيء: الظل بعد الزوال ينبسط شرقا.
[٢] الفرع: الطول، أي سقط من طوله.
[٣] في الأصل: (فاتخذ دكان فامي) وهو تحريف.

<<  <   >  >>