للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول ابن عمرو بن امرئ القيس، وأمّه الشقيقة بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وهو الذي تعبّد وساح، فلا يدرى إلى ما صار أمره.

قال ابن الكلبي: كالن امرؤ القيس هذا ذا جمال ومنطق، وكان طويل المصاحبة للذات، كثير العكوف على اللهو، وكان مع ذلك يرجع إلى عقل أصيل، ورأي ثابت، فخرج يوما في بعض ملاهيه، إمّا متبدّيا أو متصيّدا، فانقطع عن أصحابه، فاذا هو برجل كالمفآد [١] عليه أطمار، قد جمع عظاما من عظام الموتى، وهي بين يديه، فقال له الملك: ما قصتك أيها الرجل؟ وما بلغ بك ما أرى من سوء الحال، وشسوف [٢] الجسم، وتلويح اللون، والانفراد بهذه الفلاة؟ فقال له الرجل: أمّا ما ترى من تغيّر حالي، ونحول جسمي وشحوبي، فأني على جناح سفر بعيد، وبي موكلان مزعجان يحدوان بي إلى منزل ضنك المحلّ، مظلم القعر، كريه المقرّ، ثم يسلماني إلى مصاحبة البلى، ومجاورة الهلكى، بين أطباق الثّرى، فلو تركت بذلك المضجع [٦٤ ظ] مع جفائه وضيقه ووحشته، ويقطع أعضائي فيه، وارتعاء، أحناش الأرض [٣] في لحمي وعصبي وعظامي، حتى أعود رفاتا، وتصير


- وهو أول من عاقب بالنار، ولذلك قيل له: محرّق وكان ملكه خمسا وعشرين سنة، ولما مات ولي مكانه ابنه النعمان بن امرئ القيس، وهو ابن الشقيقة، قال الطبري:
هي شقيقة بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وهو صاحب حليمة، وصاحب الخورنق ... وهو الذي ترك ملكه ولبس المسوح وخرج مستخفيا هاربا لا يعلم به، وأصبح الناس لا يعلمون بحاله إلى أن علموه ... وكان ملكه إلى أن ساح في الأرض ثلاثين سنة، ويقال له السائح الأعور، وهو باني الخورنق والسدير في جهة الحيرة على مياه الفرات. (المصدران السابقان باختصار، وتاريخ ملوك سني الأرض لحمزة الأصفهاني ص ٨٨ ط- دار مكتبة الحياة، بيروت د. ت) .
[١] المفآد: أداة يشوى بها اللحم، وأداة يحرك بها التنور، يريد أنه ضامر هزيل مسودّ كالمفآد.
[٢] شسوف الجسم: يبسه، والشسيف: اللحم يكاد ييبس.
[٣] أحناش الأرض: أفاعيها، والحنش: حيّة عظيمة سوداء ليست من ذوات السموم، وارتعاؤها: أي تأكل لحمه، فجسمه لها كالمرعى.

<<  <   >  >>