للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنفسي دون الغاية التي يقدمني إليها حقي، ويشرف بي عليها استحقاقي لأمرين، أولهما: أنّ الرضا بدون الحق أزيد في الحق، والثاني: أني أرى النفس في الحظ زهيدا إذا أتى من جهة الإرهاق، والكف لي ذمام المودّة الصادقة، التي كلّ حرمة تبع لها، ومطّرح معها، وحقّ الشكر الذي جعله الله وفاء بالنّعم، وإن جلّ قدرها، وانتهت الآمال دونها، وأنت أعزّك الله فراعي المعالي، وحافظ بغية التّكرّم، أن تخترمها [١] الأيام والليالي، فأيّ سبيل للعذر، أم أيّ موضع للإكداء [٢] ، [٧٢ ظ] بين حرمتي ورعايتك، وذمامي وكرمك، لا والله ما أعرف إلا أن تأتي الأقدار بما لا يقع في ظنّ الحازم، ولا تبلغه إنذار الخائف، والله يعيذك ومؤمليك من ذلك، ومن أن أكون أول من يستثنى به عند وصف مساعيك، وذكر منّتك وأياديك بخيبته عليك لسان القادح، وقول العدو الكاشح.

ولئن تقادم عهد حاجتي وطالت مدتها، وتراخى النّجح عنها، إنّ ثقتي بك لتامّة وافية، غير منهوكة [٣] بالظنون السيئة، لأني لا أرى لسوء الظن مجازا إليك، ولا متقدما على فضلك، ولا بد من الأدّكار مع ما تعتورك من الأمور التي لا ينكر مع استبدادها وغلبتها عليك، أن تسقط عند بعض الفرائض التي لا يسع إغفالها، فضلا عما هو دونها، وأنت أعزك الله عارف أنّني فسحت للعذر سبيله، وكثّرت طرقه ووجوهه في مفتتح هذه الحاجة، ولم يكن تمهيدي إياه لنبوة خفتها منك، ولا لأني لم أجد للقول مصرفا فيما حاولته قبلك، ولكنني نزهتك عن التجمّل لي بوعد يطول به المدى، ويعتزله الوفاء، وأحببت أن يتقرّر عندك أملي فيك، أبعد من أن اختلس الأمور منك، اختلاس من يرى أنّ في عاجلك عوضا من آجلك، وأنشد: [٧٣ و] [السريع]

إنّ الذي شقّ فمي ضامن ... للرزق حتى يتوفاني


[١] تخترما الأيام: تأخذها والخرم، الشق والقطع والنقص.
[٢] الإكداء: الفقر بعد الغنى، والخيبة والفقر.
[٣] المنهوكة: المنتقصة.

<<  <   >  >>