للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتى به على باب المعتصم، فأدخل عليه، فدخلت معه في أثره، فلما مثل بين يديه، أمر فبسط له النّطع، وانتضي له السيف، وان تميم رجلا عظاما جسما، فأحبّ المعتصم [١] أن يعلم أين جنانه وبيانه من جثّته وجثمانه، فقال له:

يا تميم هيه، إن كانت لك حجّة فأت بها، أو عذر فادل به، قال أحمد بن أبي دواد: فو الله ما رأيت رجلا عاين الموت فما ذهله ولا شغله عمّا أراد أن يفعله حتى فعله غيره، فقال تميم: أمّا إذا أذن أمير المؤمنين بالكلام فأقول:

الحمد لله الذي أحسن كلّ شئ خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين [٢] ، ثم جعل نسله من ماء مهين جبر الله بك يا أمير المؤمنين صدع الدين، ولمّ بك شعث الأمّة، أخمد بك شهاب الباطل، وأنار بك سبل الحق، إنّ الذنوب تخرس الألسنة، وتصدع الأفئدة، وأيم الله لقد عظمت الجريرة، وساء الظنّ، وانقطعت الحجّة، ولم يبق إلا عفوك وانتقامك، وأرجو [٨٠ ظ] أن يكون أقربهما منك، أولاهما بخلائقك، وأشببها بسؤددك العفو، ثم أطرق ورفع رأسه وأنشأ يقول [٣] : [الطويل]

أرى الموت بين السيف والنّطع كامنا ... يلاحظني من حيثما أتلفّت

وأكبر ظنّي أنّك اليوم قاتلي ... وأيّ امرئ ممّا قضى الله يفلت

وأيّ امرئ يدلي بعذر وحجّة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت

يعزّ على الأوس بن تغلب موقف ... يهزّ عليّ السيف فيه وأسكت

وما جزعي من أن أموت وإنّني ... لأعلم أنّ الموت حتم مؤقّت

ولكنّ خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتّت

كأنّي أراهم حين أنعي إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوّتوا


[١] الرواية باختصار في كتاب العفو والاعتذار لأبي الحسن محمد بن عمران العبدي المعروف بالرّقام البصري، تحقيق عبد القدوس أبو صالح ط- ٣ دار البشير عمان ١٩٩٣ ٢/٥٦٣- ٥٦٥، وفيه أن القصة مع هارون الرشيد وليس المعتصم، وفي معجم البلدان ٢/٧٦٥، إن القصة بين مالك بن طوق والرشيد، وفي زهر الآداب ٣/٢٠٠. والعقد الفريد ٢/١٥٨، والعمدة ١/١٣٠ أنه خرج على المعتصم.
[٢] سورة السجد ٧.
[٣] الأبيات في كتاب العفو والاعتذار ٢/٥٦٤- ٥٦٥، مع خلاف يسير.

<<  <   >  >>