للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمدائن [١] ، فأذن له فدخل منكّس الرأس من باب الإيوان، وهو رجل حيدر أي قصير [٢] ، فقام خطيبا، فبينا هو في كلامه إذ سقطت مخصرته [٣] من يده، قال: فقطع الكلام حتى ردّت عليه، ثم مضى في كلامه، فلما صار إلى حاجته قال: استنصرك بالقرابة، فأقعده إلى جانبه، ثم قال: إني قد أنكرت عليك مذ رأيتك ثلاثا [٨٥ و] ، قال: يسألني الملك عنهنّ أطلعه ثباتا هنّ، قال: رأيتك حين دخلت نكست رأسك من إيواني، وأنت ما رأيت قطّ أطول منه، ولم آر قطّ أقصر منك، قال: هذه واحدة، قال: والثانية أنك تكلمت بأحسن كلام وأبلغه، فوقعت المخصرة من يدك فقطعت كلامك حتى ردّت عليك، قال:

والثالثة قولك: واستنصرك بالقرابة، وأنت رجل من العرب، وأنا رجل من الفرس، قال: صدقت، أما مطأطأتي رأسي عن إيوانك على ما ترى من قصري، فانما طأطأته بهمّتي لا ببدني، قال: زه، وكان إذا قال للرجل زه أعطي أربعة ألف واف، فأخذها، قال: وأما قطعي الكلام عند سقوط المخصرة، فاني ابتدأت كلامي على أمر فكرهت أن ينقطع إلا عليه، فأعاد


- المنذر (عامل كسرى على الحيرة والعراق) فأوصله إلى كسرى أنو شروان ملك الفرس، فحدثه بأمره، فبعث كسرى معه ثماني مئة رجل ممن كانوا في سجونه، فسار بهم إلى اليمن وحاربوا مع اليمنيين الأحباش وقتلوا ملك الحبشة مسروق بن إبرهة، وكتبوا بالنصر إلى كسرى فألحقت اليمن ببلاد الفرس على أن يكون المتصرف بها سيف بن ذي يزن، وبقي في الحكم نحو خمس وعشرين سنة ثم قتله بقايا الأحباش سنة ٥٠ ق. هـ. (سيرة ابن هشام ١/٢٢، التيجان ص ٣٠٣ ابن الأثير ١/١٥٨ مروج الذهب ٣/١٦٢- ١٧٢، الأخبار الطوال ص ٦٣ نهاية الارب ١٥/٣٠٩) .
[١] المدائن: مدينة بالعراق فتحها سعد بن أبي وقاص سنة ١٦ هـ في أيام عمر بن الخطاب، واسمها بالفارسية (توسفون) وعربوه على (طيسفون) ، وسمتها العرب المدائن، لأنها سبع مدائن بين كل مدينة إلى أخرى مسافة بعيدة أو قريبة، وآثارها وأسماؤها باقية. (ياقوت: المدائن) .
[٢] الحيدر والحيدرة: الأسد، والغلام السمين أو الحسن الجميل. (القاموس المحيط:
حدر) .
[٣] المخصرة: ما يتوكأ عليها كالعصا ونحوها، وقضيب يشار به في أثناء الخطاب والكلام، وكان يتخذه الملوك والخطباء.

<<  <   >  >>