للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا أرى أبقاك الله ما دامت السماوات والأرض، فقال محمد بن عمر: بعد عمر طويل إن شاء الله.

فقال لي إسحاق: ويلك، جزعت على أذنك وغمّك [١] قطعها لئلا يفوتك استماع مثل هذا الكلام، ويلك لو أنّ لك مكّوك [٢] آذان، إيش كان ينفعك مع هؤلاء.

وقد أختلف في سبب قطع المتوكل أذن أبي عبد الله بن حمدون، فقيل في ذلك قولان؛ أحدهما [أن] أبا عبد الله كان شديد الاختصاص بأبي الفتح ابن خاقان [٣] والكثرة عنده، والمنادمة له، والعيش برفده وبرّه، حتى إنه حدّث قال: كنت يوما عند الفتح بن خاقان، حتى خرج إليه خادم من خدم حرمه، ومعه رقعة فنظر فيها، وحذف بها إليّ، فاذا فيها: [مجزوء الرمل]

سيدي جد لي بريق ... من ثناياك العذاب

فلما قرأتها رددتها إليه، فضمّنها بيتا وردّها إليّ، فاذا هو قد كتب:

[مجزوء الرمل]

بأبي أنت وأمّي ... أنا في إثر الجواب

ثم دفعها إلى الخادم ونهض، فقمت لقيامه، فأمرني بالجلوس،


[١] في وفيات الأعيان: (وجزعت على أدبك) ، والصواب كما هنا: (أذنك) ، لأن المتوكل قطع أذنه.
[٢] المكوك: مكيال قديم يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، قيل:
يسع صاعا ونصفا، والصاع ثمانية أرطال.
[٣] الفتح بن خاقان بن أحمد بن غرطوج: أبو محمد، أديب شاعر فصيح، كان فطنا ذكيا، فارسي الأصل من أبناء الملوك، اتخذه المتوكل العباسي أخا له، واستوزره وجعل له إمارة الشام على أن ينيب عنه، وكان يقدمه على جميع أهله وولده، واجتمعت له خزائن كتب حافلة من أعظم الخزائن، وله مصنفات منها: (اختلاف الملوك) ، و (الصيد والجوارح) ، و (الروضة والزهر) ، قتل مع المتوكل سنة ٢٤٧ هـ (فوات الوفيات ٢/١٢٣، معجم الشعراء ص ٣١٨، معجم الأدباء ٦/١١٦)

<<  <   >  >>