للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فراس الأمير الشاعر رحمه الله، فكان أبو فراس لا يأنس إلا بأن يسمر في مجلسه بكتاب تاريخ الطبري، فأعاده عدة دفعات، وكل ذلك بمسمع من با منصور هذا، فخرجوا من الإسار وبا منصور من أحفظ خلق الله لتاريخ الطبري وأجودهم مذاكرة به، ونشأ ابن علي بن با منصور من أطبع الناس شعرا وأحسنهم قولا، وكان أعور فقال لي [١٢١ و] الحسن بن محمد البسّامي من آل نصر بن منصور بن بسام، وكان الحسن هذا من أمجن الناس وأشدهم تعرضا لأجوية، وأحلاهم في ذلك طريقة، قال: رأيته يوما بحمص جالسا في دكان بعض التجار، فاستثقلت شخصه، فقيل لي: إنه شاعر، فأردت العبث به، فقلت مازحا هازئا: قلت أيها الشاعر في عورك شيئا؟ منتظرا منه أن ينقطع ويخجل، فقال: نعم فديتك، وأنشدني: [الخفيف]

كيف آسى لفقد إنسان عيني ... وفنون الجمال في معتاضه

وعذيري من مقلتي أخذ الخا ... ل وأعطى سوادها من بياضه

قال: فاقشعرّ بدني منه، وعلمت أنّه من الصّيد الذي لا يحلّ أكله، وكان ابن با منصور هذا يعشق صبيا أعور، وهذا من أعاجيب حماقات العشاق، فقال فيه: [الوافر]

له عين أصابت كلّ شىء ... وعين قد أصابتها العيون

وأنشدت هذا البيت أبا عبد الله محمد بن أسد، فقال: قاتله الله، والله ما أظنّه إلا قال هذا الشعر لمّا اعتنّ معناه في نفسه، ثم طلب أعور يعشقه، ليجعله معرضا لقوله.

ومن شعره: [الخفيف]

غنّني يا أعزّ ذا الخلق عندي ... حيّ نجدا ومن بأكناف نجد

واسقني ما يصير ذو البخل منه ... حاتما والجبان عمرو بن معدي

[١] [١٢١ ظ]


[١] حاتم: هو حاتم الطائي المشهور، يضرب به المثل في الجود، توفي سنة ٤٦ ق. هـ.
وعمرو بن معديكرب الزبيدي الفارس المشهور في الجاهلية والإسلام، اشترك في حرب القادسية وتوفي سنة ٢١ هـ.

<<  <   >  >>