للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعرابيا أميّا، أصابته السنة [١] ، فقدم عين التمر [٢] ، وعليها عامل للحجاج بن يوسف، وكان العامل يغدّي كل يوم ويعشّي، فوقف ابن القرّية ببابه [٧ ظ] فرأى الناس يدخلون، فقال: أين يدخل هؤلاء؟ قالوا: إلى طعام الأمير، فدخل فتغدى، فقال: أكل يوم يصنع الأمير ما أرى؟ فقيل: نعم، فكان يأتي كل يوم بابه للغداء والعشاء، إلى أن ورد كتاب من الحجاج على العامل عربيّ غريب لا يدرى ما هو، فأخّر لذلك طعامه، وجاء ابن القرية فلم ير العامل يتغدى، فقال: ما بال الأمير اليوم لا يأكل ولا يطعم؟ قالوا: أغتمّ لكتاب ورد عليه من الحجاج عربي غريب، لا يدري ما هو، قال: ليقرئني الأمير الكتاب، فأنا أفسّره إن شاء الله، فذكر ذلك للوالي، فدعا به، فلما قرأ عليه الكتاب عرف ابن القرية الكلام، واستدل ببعض المعاني على بعض، وفسّر ذلك للوالي، حتى عرّفه جميع كتابه، فقال له: أفتقدر على جوابه؟ فقال: لست أقرأ ولا أكتب، ولكن أقعد بين يديّ كاتبين، يقرأ أحدهما ويكتب الآخر، ففعل، فكتب جواب الكتاب، فلما قرئ الكتاب على الحجاج رأى كلاما غريبا، فعلم أنه ليس من كلام كتّاب الخراج، فدعا برسائل عامل عين التمر فنظر فيها، فإذا هي ليست ككتاب ابن القرّية، فكتب الحجاج إلى العامل: أما بعد، فقد أتاني كتابك بعيدا من جوابك بمنطق غيرك، فإذا نظرت في كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تبعث إليّ بالرجل الذي صدر [٨ و] لك الكلام والسلام.

فقرأ العامل الكتاب على ابن القرية فقال: أقلني، قال: لا بأس عليك، وأمر له بكسوة ونفقة، وحمله إلى الحجاج، فلما دخل عليه قال: ما اسمك؟

قال: أيوب، قال: اسم نبيّ، وأظنك أميّا تحاول فلا يستصعب عليك المقال، وأمر له بنزل ومنزل، فلم يزل يزداد به عجبا حتى أوفده على عبد الملك بن


[١] السنة: الجدب والقحط.
[٢] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار، غربي الكوفة، بقربها موضع يقال له (شفاثا) ، وهي على طريق البرية، افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر سنة ١٢ هـ-. (ياقوت: عين التمر) .

<<  <   >  >>