للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استمدت منك الزيادة فوعدت [٢٧ ظ] جاريا طلق الجموح [١] ، أضرم السوط ناره، وأجدّ الخوف إحضاره [٢] ، لا يرى ما قطع، ولا يعلم فيم وقع.

فعد على خاطر خانتك نصرته، وقعرت بك لمّا لزّك القرن [٣] ، على أن ذاك ممّا قد حيل فيه بين الخاطر والجولان، كما (حيل بين العنز والنزوان) [٤] ، بما اختص الله تعالى ذلك السيد به من مواهبه التي تقود كلّ راكب في محاورته مركب التغرير [٥] ، إلى أن يكونوا محجوجين بصنوف التقصير، فما يلقاه أحد منهم إلا معترفا بفضله، حامدا لإحسانه وتطوّله، مضطرا إلى حال تكون القدرة له فيها عليه، والخيار في الصفح والموافقة إليه، فأما أنا فخجلة وإن لم أهجن حصره، وإن لم أوبخ، أجول في خناق ضيّق، وإن أطيل لي ريش المسامحة، وأعثر في دهش دحض [٦] ، وإن أوسع ميدان الإحسان، فانظر لحاضر ما قد لزمك، واله عن غائب ما فاتك، والتمس للخلاص من عدّتك وجها بوفاء صريح، أو عذر فصيح، فارتكاب الإخلاف يجمع والعذر دليلا على ذليل القصور، فدعتني بوضوح الحجة إلى ركوب المحجّة، وتخفيف زلّة الاقتراف بذلة الاعتراف، وأيقظتني لأمر قد كانت سكرة الوهلة [٧] أذهلتني عن مراعاته، وشغلتني عن أخذ الأهبة له، فلما جذب تنبيهها بضبعي [٨] من


[١] جاريا طلق الجموح: شبه الرأي بفرس مسرع شديد العدو جامحا، راكبا هواه لا يمكن رده.
[٢] الإحضار: شدة العدو، وعدو ذو وثب.
[٣] لزك القرن: شده وألصقه، ولزك بالرمح طعنك، والقرن (بالكسر) الكفء، والنظير في الشجاعة.
[٤] قوله: حيل بين العنز والنزوان، هذا مثل، يضرب في منع الرجل مراده، والمثل في:
(المستقصى في الأمثال ٢/٧٠ جمهرة الأمثال ١/٣٧١، تمثال الأمثال ص ٤٣٠) .
[٥] التغرير: الكلمة في الأصل غير معجمة تحتمل (التغرير) بمعنى التحريض، أو (التعزير) بمعنى المكافأة أو العقوبة.
[٦] دهش دحض: ذو زلق، أدحضه: دفعه وزحزحه وأزلقه.
[٧] الوهلة: أول شيء، وأول ما تراه، ووهل: سها، ووهل إلى الشيء: ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره، والوهل: لغلط والنسيان. (اللسان: وهل) .
[٨] الضّبع: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها، وهما ضبعان.

<<  <   >  >>