للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصلاة على نبيه محمد الذي نفذ بالسيف سطور الطروس، وأخدمه الأقلام ماشية على الرؤوس، وعلى آله وصحبه الذين أرهفت سيوفهم، وبنيت بها على كسر الأعداء حروفهم، فان السيف عظيم الدولة، شديد الصولة، محيي أسطار البلاغة، وأساغ ممنوع الإساغة، من اعتمد على غيره في قهر الأعداء تعب، وكيف لا وفي حده الحدّ بين الجد واللعب [١] ، وإن كان القلم شاهدا، فالسيف قاضي، وإن اقترنت محاولته بأمر مستقبل قطعه السيف بفعل ماضي [٢] ، به ظهر الدين وهو العدة/ لقمع المعتدين، حملته دون القلم يد نبيّنا، فتشرف بذلك في الأمم شرفا بيّنا، الجنة تحت ظلاله [٣] ، ولا سيما حين يسلّ، فترى ودق [٤] الدم يخرج من خلاله، زيّنت بزينة الكواكب سماء غمده [٥] ، وصدق القائل: السيف أصدق إنباء من ضده، لا يعبث به الحامل، ولا يتناوله كالقلم بأطراف الأنامل، ما هو كالقلم المشبه بقوم عرّوا عن لبوسهم، ثم نكّسوا كما قال تعالى عَلى رُؤُسِهِمْ

[٦] ، فكأن السيف خلق من ماء دافق، أو كوكب راشق، لا يشترى كالقلم بثمن بخس، ولا يبلى كما يبلى القلم بسواد وطمس، كم لقائمه المنتظر من أثر في عين أو عين من أثر، فهو في جراب القوم قوام الحب، ولهذا جاء مطبوع الشكل، داخل الضرب.

قال القلم: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ

[٧] يفاخر وهو قائم على الشمال، الجالس عن اليمين، أنا المخصوص بالرأي، وأنت المخصوص بالصّدي [٨] ، أنا آلة الحياة، وأنت آلة الردى، ما لنت إلا بعد دخول السعير، وما حددت إلا عن ذنب كبير، أنت تنفع في العمر ساعة، وأنا أفني العمر في الطاعة، أنت للرّهب وأنا للرّغب، وإذا كان/ بصرك حديدا، فبصري ماء ذهب، أين تقليدك من اجتهادي، وأين نجاسة دمك من طهارة مدادي.

قال السيف: أأنف في السماء واست في الماء، أم مثلك يعير مثلي بالدماء، فطالما


[١] يشير إلى قول أبي تمام:
السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
[٢] قاضي.... وماضي، كذا جاءت في جميع النسخ، والوجه: قاض وماض، ولعله أثبت الياء لأجل السجعة.
[٣] إشارة إلى قول النبي صلّى الله عليه وسلم (الجنة تحت ظلال السيوف) صحيح مسلم: الجهاد ٢٠، كنز العمال ١٠٤٨٢.
[٤] الودق: القطرات من المطر وغيره.
[٥] إشارة إلى قوله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ
الصافات ٦.
[٦] قوله تعالى: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ
سورة الأنبياء ٦٥.
[٧] الزخرف ١٧.
[٨] في ب، ط، ل: بالردى. وأراد بالصدى، أي الصدأ، وجعلها ألفا للسجعة مع الكلمة التي بعدها: آلة الردى.

<<  <   >  >>