للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحصيل ما دثر منها، سعيا حثيثا، إلى أن وقفت منها على الجم الغفير، وأحطت بغالب الموجود مطالعة وتأملا، بحيث لم يفتني منها سوى النزر اليسير، وألّفت فيها الكتب المطولة والمختصرة، وعلّقت التعاليق، ما بين أصول وتذكرة، واعتنيت بأخبار أهلها وتراجمهم، وإحياء ما دثر من معالمهم، وما رووه أو رأوه، وما تفرد به الواحد منهم من المذاهب والأقوال، ضعّفه الناس أو قوّوه، وما وقع لهم مع نظرائهم، وفي مجالس خلفائهم وأمرائهم، من مناظرات ومحاورات، ومجالسات ومذاكرات، ومدارسات ومسايرات، وفتاوى ومراسلات، ومعاياة ومطارحات، وقواعد ومناظيم، وضوابط وتقاسيم، وفوائد وفرائد، وغرائب وشوارد، حتى اجتمع عندي من ذلك جمل، ودونتها رزما، لا أبالغ وأقول وقر جمل» [١] .

وكأن هذا المنهج الذي وصفه السيوطي في التأليف، قد كتبه لهذا الكتاب، فهو متحقق فيه، ولا شك أنه يصف خبرته في التأليف عامة، بعد ممارسته هذا العمل الشاق الطويل في كتبه الكثيرة.

يقدم السيوطي لكتابه هذا بمقدمة موجزة يبين فيه طبيعة الكتاب ومنهجه. فيقول:

«هذا مجموع حسن، انتخبت فيه ما رقّ وراق من ثمرات الأوراق، والتقطت فيه من درر الكتب الجواهر، ومن شجرة الحدائق الأزاهر، مما يصلح لمحاضرة الجليس، ومسامرة الأنيس» [٢] .

ويريد السيوطي في هذا الكتاب أن يقدم النافع من ثمار الكتب التي أعجبته، ومن فنون شتى من المنظوم والمنثور، وتتضمن منتقيات أدبية وتاريخية ودينية، فيها طرف وفوائد مقتبسة، من سير الأنبياء، والخلفاء، والصحابة، والكتاب، والشعراء، ومجموعات من الرسائل الأدبية والمقامات، ومنتقيات من الأشعار، ونوادر، وملح أدبية وفوائد ثقافية وعلمية، وما إلى ذلك من ضروب المعرفة.

وقد نقل السيوطي من عشرات الكتب في مختلف الموضوعات والفنون، ومن هذه الكتب ما هو معروف لدينا، ومنها ما هو مفقود، وكذلك حفظ جملة صالحة من الأشعار التي لم تحوها الدواوين، أو الأخبار التي فاتت الكتب التي بين أيدينا، وقد نقل من هذه الكتب وفق ذوقه ومذهبه، وإذا نظرنا في هذه النقول والاختيارات، نجدها تتفاوت في طولها، فمنها ما هو قصير شديد القصر، لا يتجاوز بضعة أسطر، ومنها ما هو طويل شديد الطول يستغرق صفحات طوال، من ذلك بعض الرسائل والمقامات الطويلة التي تكاد تكّون كتبا، مثال ذلك (حكاية القاضي واللص) المنتقاة من الطبقات الكبرى


[١] السابق نفسه.
[٢] المحاضرات، الورقة ٢.

<<  <   >  >>