للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حكاية القاضي واللص]

أخبرني شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البلقيني، إجازة عن أبي اليسر أحمد بن عبد الله بن الصايغ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن المردادي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد المقدسي، أخبرنا أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الصفار، أخبرنا أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان الأزدي، أخبرنا أبو الفرج سهل بن بشر الأسفراييني، أخبرنا مشرف بن المرجى المقدسي، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محبوب المنصوري [١] ، حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين القاضي بنهاوند [٢] ، حدثنا محمد بن الحسين الرازي، حدثني أبي عن جدي، عن محمد بن مقاتل الماشغوري قال: كان محمد بن الحسين [٣] يكثر الإدلاج إلى بساتينه، فيصلي الصبح، ثم يعود إلى منزله إذا ارتفعت الشمس وعلا النهار، قال محمد بن مقاتل: فسألته عن ذلك فقال: بلغني في حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (حبّب إليّ الصلاة في الحيطان) [٤] ، وذلك أن أهل اليمن يسمون البستان الحائط، قال محمد بن الحسين: فخرجت إلى حائط لي لأصلي فيه صلاة الفجر، رغبة في الثواب والأجر، فعارضني لص جريء القلب/ خفيف الوثب، في يده خنجر كلسان الكلب، ماء المنايا تجول على فرنده، والآجال تلوح في حدّه، فضرب بيده على صدري، ثم مكّن الخنجر من نحري، وقال لي بفصاحة لسان، وجرأة جنان:

انزع ثيابك، واحفظ إهابك، ولا تكثر كلامك فتلاقي حمامك، ودع عنك اللوم وكثرة الخطاب، فلا بد لك من نزع هذه الثياب.

فقلت له: يا سبحان الله، أنا شيخ من شيوخ البلد، وقاض من قضاة المسلمين، يسمع كلامي ولا تردّ أحكامي، ومع ذلك فاني من نقلة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، منذ أربعين سنة، ومن علماء الإسلام بكل فريضة وسنّة، أما تستحي من الله أن يراك حين نهاك؟

فقال لي: بل يا سبحان الله، أنت أيضا، أما تراني شابا ملء بدني، أروق الناظر، وأملأ الخاطر، وآوي الكهوف والغيران [٥] ، وأشرب ماء القيعان والغدران، وأسلك


[١] في ش: الأنصاري.
[٢] نهاوند: مدينة عظيمة في قبلة همذان، فتحت في زمن عمر بن الخطاب سنة ٢١ هـ فتحها النعمان بن مقرّن المزني. (ياقوت: نهاوند)
[٣] القاضي: محمد بن الحسين بن عبيد الله العلوي النصيبي، قاضي دمشق وخطيبها، ونقيب الأشراف فيها، كان أديبا بليغا له ديوان شعر، توفي سنة ٤٠٨ هـ. (الوافي بالوفيات ٣/٧) .
[٤] مسند أحمد بن حنبل ١/٢٤٥، ٢٥٥، صحيح الترمذي، باب الصلاة ص ١٣٢.
[٥] الغيران: جمع الغور، كل منخفض من الأرض، والغور من كل شيء: قعره وعمقه. (اللسان: غور) .

<<  <   >  >>