للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّضَاعُ مُحَرِّمًا لِمَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ وَمُنْدَرِجًا فِيهِ حَيْثُ ذُكِرَ كَقَوْلِهِ وَحَرَّمَ أُصُولَهُ وَفُصُولَهُ وَمَا ذُكِرَ بَعْدُ؛ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَقَالَ (بَابٌ) مَسَائِلُ الرَّضَاعِ وَبَيَانُ مَا يُحَرِّمُ وَمَا لَا يُحَرِّمُ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ التَّاءِ وَتَرْكِهَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَهَا وَهُوَ مِنْ بَابِ سَمِعَ وَعِنْدَ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَالْمَرْأَةُ مُرْضِعٌ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ تُرْضِعُهُ فَإِنْ وَصَفْتهَا بِإِرْضَاعِهِ قِيلَ مُرْضِعَةٌ وَيُقَالُ لُبْنٌ وَلِبَّانٌ لِبَنَاتِ آدَمَ وَغَيْرِهِ وَأَنْكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ لُبْنٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَالْأَحَادِيثُ عَلَى خِلَافِهِ ابْنُ عَرَفَةَ الرَّضَاعُ عُرْفًا وُصُولُ لَبَنٍ آدَمِيٍّ لِمَحَلِّ مَظِنَّةِ غِذَاءٍ آخَرَ لِتَحْرِيمِهِمْ بِالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ وَلَا دَلِيلَ إلَّا مُسَمَّى الرَّضَاعِ.

وَقَوْلُهُ عُرْفًا خُصِّصَ هَذَا الْمَحْدُودُ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يَحُدُّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الرَّضَاعَ غَلَبَ فِي الْمَعْهُودِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ عَلَى مَحَلِّ خُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيٍ لِطَلَبِ خُرُوجِهِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ الْحُقْنَةَ وَالسَّعُوطَ يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ عُرْفًا شَرْعِيًّا صَادِقٌ عَلَيْهِمَا وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَضَاعٌ وَكَوْنُهُ لَا يُحَرِّمُ أَوْ يُحَرِّمُ أَمْرٌ آخَرُ فَالْمَحْدُودُ مَاهِيَّةُ الرَّضَاعِ بِمَا هِيَ لَا أَفْرَادُهَا وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ لِمَحَلِّ مَظِنَّةِ غِذَاءٍ آخَرَ مَعَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي فِي الْحُقْنَةِ تَكُونُ غِذَاءً فِيمَا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَقَوْلُهُ «إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» فَفِيهِ بَيَانٌ لِلْآيَةِ وَزِيَادَةٌ

وَأَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (ص) حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ حُصُولَ لَبَنِ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا أَوْ كَبِيرَةً حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً تُحُقِّقَ أَنَّ فِي ثَدْيِهَا لَبَنًا حَالَ الْمَصِّ لَا إنْ شُكَّ، مُتَزَوِّجَةً أَوْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ وَلَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا فِي جَوْفِ الصَّغِيرِ الْمُرْضَعِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ كَمَا يَنْشُرُهَا النَّسَبُ وَسَوَاءٌ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ بِوَجُورٍ أَوْ سَعُوطٍ وَيَأْتِي تَفْسِيرُهُمَا وَيَأْتِي مُحْتَرِزَاتُ الْقُيُودِ وَبَالَغَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ مَيِّتَةً) دَبَّ الطِّفْلُ فَرَضَعَهَا وَتَحَقَّقَ أَنَّ فِي ثَدْيِهَا لَبَنًا حَالَ الْمَصِّ.

وَكَذَا إنْ شَكَّ عِنْدَ ابْنِ نَاجِي خِلَافًا لِابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْ حُلِبَ مِنْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِرَدِّ مَا حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقَوْلِ الشَّاذِّ بِعَدَمِ تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَقَعُ بِغَيْرِ الْمُبَاحِ وَالْجَوَابُ

ــ

[حاشية العدوي]

(بَابُ الرَّضَاعِ) (قَوْلُهُ وَمُنْدَرِجًا فِيهِ) أَيْ وَمُنْدَرِجًا مَعَهُ فِي قَوْلِهِ وَحَرُمَ أُصُولُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالِانْدِرَاجِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ لِبَنَاتِ آدَمَ) أَيْ لِلَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ.

(قَوْلُهُ وَالْأَحَادِيثُ عَلَى خِلَافِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ» .

(قَوْلُهُ لِمَحَلِّ مَظِنَّةٍ) أَيْ لِمَحَلٍّ هُوَ مَظِنَّةُ الْغِذَاءِ.

(قَوْلُهُ لِتَحْرِيمِهِمْ) تَعْلِيلٌ لِلتَّعْبِيرِ بِوُصُولِ دُونَ أَنْ يُعَبِّرَ بِضَمٍّ.

(قَوْلُهُ وَلَا دَلِيلَ إلَّا مُسَمَّى الرَّضَاعِ) أَيْ لَا دَلِيلَ إلَّا لِكَوْنِهِ رَضَاعًا فَإِنْ قُلْت فِيهِ دَوْرٌ لِأَنَّ مُسَمَّى الرَّضَاعِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ وَتَحْرِيمُ السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ وُصُولُ الَّذِي هُوَ الْمُسَمَّى قُلْت يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى التَّحْرِيمِ مُسَمَّى الرَّضَاعِ الْمُجْمَلِ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ السَّعُوطِ الْمُسَمَّى الْمُفَصَّلُ.

(قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ يَحُدُّ إلَخْ) أَيْ وَإِذَا كَانَ يَحُدُّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ عُرْفًا وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إشَارَةً إلَخْ (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) لَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ لِمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى لَمَّا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُخَالِفَةً لِلْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ إلَخْ وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وُصُولُهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ عُرْفًا أَيْ عُرْفَ أَهْلِ الشَّرْعِ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مُخَالِفًا لِذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَأَمَّا تَفْصِيلُ ذَلِكَ الْمُخَالِفِ أَيْ تَعْيِينُهُ فَلَمْ يُعْلَمْ.

(قَوْلُهُ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ) اسْتِدْرَاكٌ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَعْنَى الْعُرْفِيَّ مُرَادٌ.

(قَوْلُهُ مَا صَدَقَ) أَيْ مَاهِيَةٌ صَدَقَ عَلَيْهَا أَيْ حُمِلَ عَلَيْهَا أَنَّهَا رَضَاعٌ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَاصَدَقَاتِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ مَاهِيَّةُ الرَّضَاعِ بِمَا هِيَ) أَيْ فَالْمَحْدُودُ مَاهِيَّةُ الرَّضَاعِ حَالَةَ كَوْنِهَا مُلْتَبِسَةً بِحَدٍّ هِيَ هُوَ لِأَنَّ الْحَدَّ عَيْنُ الْمَحْدُودِ وَالِاخْتِلَافُ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ أَوْ نَقُولُ مُلْتَبِسَةً بِحَالَةٍ هِيَ أَنَّهَا مَاهِيَّةٌ كَأَنَّهُ قَالَ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَاهِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ مَعَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي) سَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى غَيْرِ الْحُقْنَةِ

. (قَوْلُهُ وَأَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُبَاشَرَةِ) أَيْ خِلَافًا لِلْمُتَبَادَرِ مِنْ قَوْلِهِ {أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] مِنْ الْمُبَاشَرَةِ.

(قَوْلُهُ وَأَنَّ التَّحْرِيمَ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْآيَةِ أَيْ فَفِيهِ بَيَانٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ.

(قَوْلُهُ حُصُولُ إلَخْ) أَيْ لِجَوْفِ الرَّضِيعِ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ.

(قَوْلُهُ لَبَنِ امْرَأَةٍ) أَيْ لَا ذَكَرٍ وَلَوْ زَادَ وَكَثُرَ (فَائِدَةٌ) إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ مَرْأَةً لِأَنَّهَا لَمَّا خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ آدَمَ سَأَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَقَالَتْ لَهُ مَا هَذِهِ فَقَالَ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ مَا اسْمُهَا قَالَ حَوَّاءُ فَقَالَتْ لَهُ لِمَ سَمَّيْتهَا امْرَأَةً وَحَوَّاءَ قَالَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الْمَرْءِ وَحَوَّاءُ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ هَكَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ (قَوْلُهُ صَغِيرَةً) وَكَذَا عَجُوزٌ قَعَدَتْ عَنْ الْوَلَدِ.

(قَوْلُهُ تَحَقَّقَ) أَيْ أَوْ ظَنَّ.

(قَوْلُهُ لَا إنْ شَكَّ) الْأَظْهَرُ أَنَّ الشَّكَّ يُحَرِّمُ أَيْضًا كَمَا عِنْدَ ابْنِ نَاجِي.

(قَوْلُهُ وَلَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا) أَيْ بِمَثَابَةِ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَيَقَّنَ حُصُولَ لَبَنِهِ بِجَوْفِ الرَّضِيعِ كَتَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ وَالشَّكُّ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ.

(قَوْلُهُ أَوْ حُلِبَ مِنْهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَرَضَعَهَا.

(قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ مَيِّتَةً أَيْ أَنَّ لَبَنَ الْمَيْتَةِ يُحَرِّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا أَفَادَهُ بَهْرَامُ.

(قَوْلُهُ لَا تَقَعُ بِغَيْرِ الْمُبَاحِ) أَيْ وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ غَيْرُ مُبَاحٍ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ طَاهِرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>