للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَقَوْلِهِ لَوْلَا إخْوَتُكَ أَوْ صَدَاقَتُكَ أَوْ دِيَانَتُكَ مَا أَعَرْتُكَ

(ص) لَا مَالِكِ انْتِفَاعٍ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا وَأَمَّا مَالِكُ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ كَسُكْنَى بَيْتِ الْمَدَارِسِ وَالزَّوَايَا وَالرُّبُطِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ إنْزَالِ الضَّيْفِ الْمَدَارِسَ وَالرُّبُطَ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ فَلَا يَجُوزُ إسْكَانُ بَيْتِ الْمَدَارِسِ دَائِمًا وَلَا إيجَارُهُ إذَا عُدِمَ السَّاكِنُ وَلَا الْخَزْنُ فِيهِ وَلَا بَيْعُ مَاءِ الصَّهَارِيجِ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ وَلَيْسَ لِلضَّيْفِ بَيْعُ الطَّعَامِ وَلَا إطْعَامُهُ وَلَا يُبَاعُ زَيْتُ الِاسْتِصْبَاحِ وَلَا يُتَغَطَّى بِبُسُطِ الْوَقْفِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

(ص) مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَعَارِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يَجُوزُ إعَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إعَارَةُ السِّلَاحِ لِمَنْ يُقَاتِلُ بِهَا الْمُسْلِمِينَ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِمَّا لَازَمَهُ أَمْرٌ مَمْنُوعٌ قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِإِعَارَةُ وَضَمَّنَهُ مَعْنَى وَهْبَةٍ فَعَدَّاهُ بِمِنْ تَقُولُ وَهَبْت دَارِي مِنْ زَيْدٍ وَإِلَّا فَالْمَوْضِعُ لِلَّامِ أَوْ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ.

(ص) عَيْنًا لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ (ش) هَذَا هُوَ الْمُسْتَعَارُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ شَرْطُ صِحَّتِهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فَلَا تَجُوزُ إعَارَةُ الْأَمَةِ لِأَجْلِ الْوَطْءِ قَوْلُهُ عَيْنًا مَعْمُولُ " إعَارَةُ " لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ مَالِكٌ وَهَذَا مَفْعُولُهُ الثَّانِي وَمَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعُ عَلَيْهِ لَا مَعْمُولُ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّارِحِ سَوَاءٌ قُرِئَ مَالِكٌ بِالتَّنْوِينِ وَنُصِبَ مَنْفَعَةً أَوْ بِالْإِضَافَةِ إذْ مَالِكٌ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ وَقَوْلُهُ عَيْنًا أَيْ ذَاتًا وَاللَّامُ فِي لِمَنْفَعَةٍ تُشْبِهُ لَامَ الْعَاقِبَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَيْلُولَةِ أَيْ يَئُولُ أَمْرُهَا إلَى اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَيْ عَاقِبَةُ إعَارَةِ الْعَيْنِ وَمَآلُ أَمْرِهَا اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ لَامُ الْعَاقِبَةِ لِأَنَّهَا الَّتِي يَكُونُ مَا بَعْدَهَا نَقِيضًا لِمَا قَبْلَهَا وَهُنَا لَيْسَ نَقِيضًا لَهُ لِأَنَّهُ يُجَامِعُهُ فَهِيَ تُشْبِهُ لَامَ الْعَاقِبَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَيْلُولَةِ كَمَا مَرَّ.

(ص) لَا كَذِمِّيٍّ مُسْلِمًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] فَهُوَ مِثَالٌ أَيْ لَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مُبَاحَةٍ كَإِعَارَةِ ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا أَيْ لِمَنْفَعَتِهِ أَيْ لِخِدْمَتِهِ الذِّمِّيَّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَنْفَعَةِ غَيْرِ الْمُبَاحَةِ وَأَمَّا إعَارَةُ الذِّمِّيِّ مَنْفَعَةَ الْمُسْلِمِ حَيْثُ كَانَتْ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ كَأَنْ يَخِيطَ لَهُ مَثَلًا فَيَنْبَغِي فِيهِ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لِعَيْنِهِ) أَيْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لِذَاتِهِ أَيْ لِيَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ وَلَا يُؤَاجِرُ وَلَا يَهَبُ وَلَا يُعِيرُ مَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَأَرَادَ أَنْ يَنْفَعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْهُ وَتَعَلُّقَهُ بِهِ وَيَأْخُذُهُ الْغَيْرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا أَفَادَهُ عج (قَوْلُهُ كَسُكْنَى بَيْتِ الْمَدَارِسِ) أَرَادَ بِبَيْتِ الْمَدَارِسِ الْمَوَاضِعَ الْمُسَمَّاةَ بِالْخَلَاوِي فِي عُرْفِ مِصْرَ وَقَوْلُهُ وَالزَّوَايَا مَعْطُوفٌ عَلَى بَيْتِ الْمَدَارِسِ أَوْ عَلَى الْمَدَارِسِ إنْ كَانَ فِي الزَّاوِيَا بُيُوتٌ وَقَوْلُهُ وَالرُّبُطَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَالْجُلُوسِ مَعْطُوفٌ عَلَى سُكْنَى فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلِانْتِفَاعِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا مَالِكُ الِانْتِفَاعِ أَيْ مِثَالُ الِانْتِفَاعِ كَسُكْنَى (قَوْلُهُ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ) بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْجُلُوسِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ السُّوقِ أَوْ الْمَسْجِدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ وَهَلْ إذَا تَلَفَّظَ بِالْعَارِيَّةِ يَكُونُ ذَلِكَ بَاطِلًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يُعِرْ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ نَعَمْ إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى الثَّانِي فَيَسْقُطُ حَقُّهُ هَذَا مَا ظَهَرَ (قَوْلُهُ الْمَدَارِسَ) مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً لِلضَّيْفِ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ نَحْوِ الْأَوْقَافِ الْأَهْلِيَّةِ كَمَا وُقِفَ عَلَى زَيْدٍ وَنَسْلِهِ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ بَيْتِ الْمَدَارِسِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ فِي الْحَالَةِ كَمَا لِشَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إسْكَانُ بَيْتِ الْمَدَارِسِ دَائِمًا) يَتَعَارَضُ مَفْهُومُ هَذَا مَعَ مَفْهُومِ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالدَّوَامِ الْمُدَّةَ الْكَثِيرَةَ أَيْ مَا قَابَلَ الْيَسِيرَةَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادِرِ (قَوْلُهُ وَلَا إيجَارُهُ) أَيْ لِلسُّكْنَى فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ مَاءِ الصَّهَارِيجِ) مُنَاسِبٌ لِلْمَقَامِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَقَامِ لِأَنَّ مَاءَ الصَّهَارِيجِ الْقَصْدُ مِنْهُ الِانْتِفَاعُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلضَّيْفِ بَيْعُ الطَّعَامِ وَلَا إطْعَامُهُ) نَعَمْ لَهُ إطْعَامُ الْهِرِّ وَالسَّائِلِ كَمَا فِي ك

(قَوْلُهُ وَلَا يُبَاعُ زَيْتُ الِاسْتِصْبَاحِ) أَيْ الَّذِي لِلْوَقْفِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْقَلِيلِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ

(قَوْلُهُ مَعْنَى وَهْبَةٍ) أَرَادَ الْمَصْدَرَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَهَبْت لِزَيْدٍ مَالًا وَهْبًا وَوَهْبَةً انْتَهَى (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَجِيءُ مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ شَاذٌّ

(قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ إعَارَةُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ نَقِيضًا لِمَا قَبْلَهَا) أَيْ لِمُقْتَضَى مَا قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ} [القصص: ٨] فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ وَالْحُزْنَ نَقِيضُ مُقْتَضَى الِالْتِقَاطِ الَّذِي هُوَ الْمَحَبَّةُ وَالتَّبَنِّي وَلَيْسَتْ اللَّامُ لِلْعِلَّةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّدْبِ الثَّوَابُ الْأُخْرَوِيُّ لَا نَفْعُ الْمُعَارِ هَذَا حَاصِلُهُ ثُمَّ أَقُولُ إنَّ فِي شَرْطِ كَوْنِهِ نَقِيضًا لِمَا قَبْلَهَا خِلَافًا وَقَوْلُهُ وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ إلَخْ يُفِيدُ عَدَمَ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا مَانِعَ مِنْ تَعَلُّقِ قَوْلِهِ لِمَنْفَعَةٍ بِإِعَارَةُ.

(قَوْلُهُ لَا كَذِمِّيٍّ إلَخْ) الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ وَقَوْلُهُ كَذِمِّيٍّ مِثَالٌ أَيْ لَا مَنْفَعَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ إعَارَتُهُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا هِبَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ فَتَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْعِ الْإِعَارَةِ لَهُ وَالْهِبَةُ لَهُ صَحِيحَةٌ أَنَّ وَاهِبَ الذَّاتِ لَمْ يَقْصِدْ إذْلَالَ الْمُسْلِمِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَحْصُرْ مَنْفَعَتَهُ فِي الْكَافِرِ وَأَيْضًا يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَخْدُمَهُ فَقَصَدَ ابْتِدَاءً الْإِذْلَالَ فَافْتَرَقَا وَقَوْلُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمُضِيُّ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي فِيهِ الْجَوَازُ) أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ فِي مَحَلِّهِ كَحَانُوتِهِ وَلَا يَسْتَبِدُّ بِعَمَلِهِ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ كَكَوْنِهِ مُقَارِضًا أَوْ مُسَاقِيًا لَهُ وَقَدْ تَكُونُ مَحْظُورَةً كَأَنْ يَكُونَ فِي عَمَلِهِ تَحْتَ يَدِهِ كَالْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ وَالْإِرْضَاعِ لَهُ فِيهِ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَتْ فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ وَلَهُ الْأُجْرَةُ وَحَرَامًا كَحَمْلِ الْخَمْرِ وَرَعْيِ الْخِنْزِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>