للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إنْ أَتَمَّ الْعَمَلَ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ أَجْرَ عَمَلِهِ جَرْيًا عَلَى الْإِجَارَةِ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِتَرْخِيصِ تَرْكِ عَمَلٍ لَمْ يَتِمَّ فِي الْجَعَالَةِ وَبَقِيَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا.

(ص) كَكِرَاءِ السُّفُنِ (ش) هَذَا تَشْبِيهٌ فِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ الْأَجْرُ إلَّا بِالتَّمَامِ وَهُوَ إجَارَةٌ لَا جَعَالَةٌ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّغَيُّرُ بِكِرَاءٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَغَرِقَتْ فِي ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَلَاغِ وَبِعِبَارَةٍ تَشْبِيهٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَقَعَتْ بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَضْمُونَةٌ وَعَلَى بَلَاغٍ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّهُ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ وَالْمُعَلِّمِ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْحَافِرِ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ بِتَعْرِيفِ شِدَّةِ الْأَرْضِ وَبُعْدِ الْمَاءِ وَكِرَاءِ السَّفِينَةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ التَّوْضِيحُ هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ الْأَرْبَعَةَ وَزَادَ الْمُغَارَسَةَ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ لِمَنْ يَغْرِسُ فِيهَا عَدَدًا مِنْ الْأَشْجَارِ، فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ بَيْنَهُمَا قَالَ: وَكُلُّ هَذِهِ الْفُرُوعِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي جَمِيعِهَا تَرَدُّدُهَا بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ كُلَّهَا مِنْ الْإِجَارَةِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْحَافِرِ فَإِنَّهَا مِنْ الْجَعَالَةِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَلَاغِ مُسَاوِيَةٌ لِلْجُعْلِ فِي أَنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْوَجْهِ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَلَاغِ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ وَنَصَّ سَحْنُونَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُدَاوَاةِ الْمَرِيضِ الْجَعَالَةُ وَوَجْهُ تَرَدُّدِ هَذِهِ الْأُمُورِ بَيْنَ الْجَعَالَةِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ إلَّا بِالتَّمَامِ شَابَهَتْ الْجَعَالَةَ وَلَمَّا كَانَ إذَا تَرَكَ الْأَوَّلَ ثُمَّ كَمَّلَ غَيْرُهُ الْعَمَلَ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِحِسَابِهِ شَابَهَتْ الْإِجَارَةَ قَوْلُهُ بِتَعْرِيفِ شِدَّةِ الْأَرْضِ وَبُعْدِ الْمَاءِ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِيَّةِ.

(ص) إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى التَّمَامِ فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي (ش) هَذَا مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ أَيْ: فَقَبْلَ التَّمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَبُّهُ أَوْ يُجَاعِلَ مَنْ يُتِمُّ عَمَلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِنِسْبَةِ عَمَلِ الثَّانِي أَيْ: بِنِسْبَةِ مَا أَخَذَ الثَّانِي سَوَاءٌ عَمِلَ الثَّانِي قَدْرَ عَمَلِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ قَدْ انْتَفَعَ بِمَا عَمِلَهُ الْمَجْعُولُ لَهُ مِثْلَ أَنْ يُجْعَلَ لِلْأَوَّلِ خَمْسَةٌ عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ مَثَلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَبَلَّغَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ وَتَرَكَهَا فَجُعِلَ لِلْآخَرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا عَلَى تَبْلِيغِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ عَشَرَةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنُوبُ فِعْلَ الْأَوَّلِ مِنْ إجَارَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا اُسْتُؤْجِرَ نِصْفَ الطَّرِيقِ بِعَشَرَةٍ عُلِمَ أَنَّ قِيمَةَ إجَارَتِهِ يَوْمَ اُسْتُؤْجِرَ عِشْرُونَ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوَّلَ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَحْمِلَهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ بِخَمْسَةٍ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعْطَى نِصْفَهَا وَالْمُغَابَنَةُ جَائِزَةٌ فِي الْجُعْلِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْجَعَالَةِ مُنْحَلًّا مِنْ جَانِبِ الْمَجْعُولِ لَهُ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَمَّا تَرَكَهُ بَعْدَ أَنْ حَمَلَ نِصْفَ الْمَسَافَةِ صَارَ تَرْكُهُ لَهُ إبْطَالًا لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَصَارَ الثَّانِي كَاشِفًا مُبَيِّنًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الْأَوَّلُ فَعَلَى الْجَاعِلِ لِلْأَوَّلِ نِسْبَةُ انْتِفَاعِهِ بِالثَّانِي ثُمَّ إنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ يَسْتَأْجِرَ أَيْ: أَوْ يُجَاعِلَ أَوْ يَأْتِيَ بِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ غُلَامِهِ فَقَوْلُهُ فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي أَيْ فَلِلْأَوَّلِ مِنْ الْأَجْرِ بِنِسْبَةِ عَمَلِ الثَّانِي لَوْ كَانَ لَهُ نِسْبَةٌ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا عَمِلَهُ مَجَّانًا وَلَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

الْجَاعِلِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت الْكَلَامَ فِي عَمَلِهِمَا.

(قَوْلُهُ يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ) أَيْ السَّامِعُ مِنْ الْجَاعِلِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْجَاعِلَ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ السَّامِعُ بِوَاسِطَةٍ وَبِلَا وَاسِطَةٍ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّامِعِ مَنْ عَلِمَ بِقَوْلِ رَبِّهِ وَقَوْلُهُ يَسْتَحِقُّهُ فِي قُوَّةِ الْحَصْرِ أَيْ: لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِالتَّمَامِ.

(قَوْلُهُ تَرْكِ عَمَلٍ) أَيْ: أُجْرَةِ عَمَلٍ (قَوْلُهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ بِكِرَاءٍ) أَيْ: لِمَا عَلِمْت أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءِ اصْطِلَاحٌ غَالِبٌ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ وَقَعَتْ بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ وَتُعْطَى حُكْمَ إجَارَةِ الْبَلَاغِ وَأَنَّ الْعَقْدَ فِيهَا لَازِمٌ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ التَّعْبِيرَ وَقَعَ بِلَفْظِ جَعَالَةٍ (قَوْلُهُ وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ) فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا تُدْخِلُ شَيْئًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَضْمُونَةٌ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَقَعَتْ بِلَفْظِ إجَارَةٍ وَقَوْلُهُ وَعَلَى بَلَاغٍ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَجَعَالَةٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ إجَارَةً مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا عَلَى بَلَاغٍ شَابَهَتْ الْجُعْلَ فَلِذَلِكَ قُلْنَا وَقَعَتْ بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَعَلَى بَلَاغٍ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ.

(قَوْلُهُ بِتَعْرِيفِ شِدَّةِ الْأَرْضِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْبِئْرِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجَارَةِ لَا الْجَعَالَةِ الْمُحَقَّقَةِ (قَوْلُهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ صَالِحَةٌ لَأَنْ تَكُونَ إجَارَةً وَأَنْ تَكُونَ جَعَالَةً وَلِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ بِسَبَبِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ كُلَّهَا مِنْ الْإِجَارَةِ) أَيْ: لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا مِنْ الْجَعَالَةِ) أَيْ: فَإِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ تَكُونَ جَعَالَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَوَاتِ يَقَعُ إجَارَةً وَيَقَعُ جَعَالَةً، وَأَمَّا فِي الدَّارِ فَإِجَارَةٌ لَا جَعَالَةٌ (قَوْلُهُ لَا يُقَالُ) وُرُودٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا مَسْأَلَةُ الْحَافِرِ.

(قَوْلُهُ بِحِسَابِهِ) أَيْ: بِحِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِنِسْبَةِ الثَّانِي فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى التَّمَامِ فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِي غَيْرِ السَّفِينَةِ وَفِي غَيْرِ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ، وَأَمَّا كِرَاءُ السُّفُنِ وَكِرَاءُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُتَرَدِّدَةِ كَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ الصَّرِيحَةِ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى التَّمَامِ) أَيْ رَبُّهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَوْ جَاعَلَ نَفْسَ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّمَامِ فَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَقَطْ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى التَّمَامِ أَنَّهُ لَوْ انْتَفَعَ بِهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي وَصَلَ لَهُ الْعَامِلُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ الْمُسَمَّى بِحَسْبِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ مَا إذَا عَمِلَهُ مَجَّانًا) أَيْ أَوْ عَمِلَهُ بِنَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>