للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ: مُحَمَّدٌ الْخَرَشِيُّ الْمَالِكِيُّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُحِيطُ بِخَفِيَّاتِ الْغُيُوبِ الْمُطَّلِعِ عَلَى سَرَائِرِ الْقُلُوبِ الْمُخْتَصِّ

ــ

[حاشية العدوي]

بِالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ فَرْضِيًّا حِسَابِيًّا مُحَقِّقًا لَهَا، لَهُ الْإِمَامَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي ذَلِكَ جَامِعًا لِسَائِرِ الْفُنُونِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ آخِرُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَصَرِّفِينَ التَّصَرُّفَ التَّامَّ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ وَآخِرُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَكَانَ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ خَلْوَةٌ يَتَعَبَّدُ فِيهَا وَكَانَ يَقْرَأُ بَعْدَ الظُّهْرِ عَقِبَ دَرْسِ الْمُخْتَصَرِ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ دَرْسًا فِي النَّحْوِ أَوْ التَّوْحِيدِ أَوْ الْفَرَائِضِ أَوْ الْحِسَابِ وَكَانَ يَأْتِيهِ الْهَدَايَا وَالنُّذُورُ مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ وَبِلَادِ التَّكْرُورِ وَجَمِيعِ الْبِلَادِ فَلَمْ يُمْسِكْ مِنْهَا شَيْئًا بَلْ كَانَ أَقَارِبُهُ وَمَعَارِفُهُ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْكَرَامَاتِ إلَّا إقْبَالُ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَعَلَى كِتَابَةِ مُؤَلَّفَاتِهِ وَمُطَالَعَتِهَا لَكَانَ فِي ذَلِكَ كِفَايَةُ.

أَخْذِ الْعُلُومِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ خَاتِمَةُ الْفُقَهَاءِ أَبُو الْإِرْشَادِ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ وَالْعَلَّامَةُ خَاتِمَةُ الْمُحَدِّثِينَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيِّ وَالْفَقِيهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ الْفِيشِيِّ وَالْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْمُعْطِي الْبَصِيرُ وَالْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ حَسَنُ النَّمَاوِيُّ وَالشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ يَاسِينُ الشَّامِيُّ وَوَالِدُهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْخَرَشِيُّ تَخَرَّجَ بِهِ جَمَاعَةٌ حَتَّى وَصَلَ مُلَازِمُوهُ الْمُجِدُّونَ عَلَيْهِ نَحْوَ مِائَةٍ مِنْهُمْ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ أَحْمَدُ اللَّقَانِيِّ وَالشَّيْخُ الْفَاضِلُ سَيِّدِي مُحَمَّدُ الزَّرْقَانِيُّ وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ عَلِيٌّ اللَّقَانِيِّ وَالشَّيْخُ الْعُمْدَةُ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ دَاوُد اللَّقَانِيِّ وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ النَّفْرَاوِيُّ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ الشَّبْرَاخِيتِيُّ وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ الْفَيُّومِيُّ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْفَيُّومِيُّ وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ الشَّرَفِيُّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْقَلِينِيُّ وَالشَّيْخُ عِيدٌ وَالشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَجْدُولِيُّ. وَغَالِبُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعِ فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ بَعْدَ خَتْمِ الْمُخْتَصَرِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَلَّامَةِ الْقَسْطَلَّانِيِّ مَاتَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ سَابِعِ عَشْرَيْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ خِتَامِ سَنَةِ وَاحِدٍ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ وَدُفِنَ مَعَ وَالِدِهِ بِقُرْبِ مَدْفَنِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُحَمَّدِ الْبَنَوْفَرِيِّ بِوَسَطِ تُرْبَةِ الْمُجَاوِرِينَ وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ وَمَا رَأَيْت فِي عُمُرِي كُلِّهِ أَكْثَرَ خَلْقًا مِنْ جِنَازَتِهِ إلَّا جِنَازَةَ الشَّيْخِ السُّلْطَانِ الْمِزَاحِيِّ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ الْبَابِلِيِّ هَذَا مَا انْتَهَى جَمْعُهُ مِنْ الْمَنَاقِبِ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ صَفَرِ الْخَيْرِ سَنَةَ مِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَلْفٍ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ جَمَعَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْجَمَالِيُّ الْمَغْرِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَظَهَرَ بِبَرَكَتِهِ كَلِمَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِفَهْمِ ذَلِكَ الشَّرْحِ أَحْبَبْت أَنْ أَجْمَعَهَا لِنَفْسِي وَلِمَنْ هُوَ قَاصِرٌ مِثْلِي مُعْتَمِدًا عَلَى فَضْلِ مَوْلَانَا الْكَرِيمِ لِقِصَرِ بَاعِي وَقِلَّةِ اطِّلَاعِي فَيَا ذَا الْجُودِ وَالْإِنْعَامِ وَالْفَضْلِ وَالْإِكْرَامِ جُدْ عَلَيْنَا بِرَحَمَاتِك وَمُنَّ عَلَيْنَا بِإِسْعَافَاتِك؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتُك فَأَقُولُ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

اعْلَمْ أَنِّي حَيْثُ قُلْت قَالَ كَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ وَحَيْثُ قُلْت عج فَهُوَ إشَارَةٌ لِشَيْخِ الشُّيُوخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ وَحَيْثُ قُلْت مُحَشِّي تت فَهُوَ إشَارَةٌ لِلشَّيْخِ مُصْطَفَى الْمَغْرِبِيِّ الْجَزَائِرِيِّ (قَوْلُهُ يَقُولُ مُحَمَّدٌ الْخَرَشِيُّ) كَذَا بِخَطِّهِ بِخَاءٍ وَرَاءٍ وَشِينٍ بِدُونِ أَلِفٍ فَتَكُونُ نِسْبَةً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ بَلَدَهُ يُقَالُ لَهَا أَبُو خَرَاشٍ مِنْ الْبُحَيْرَةِ قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ مِصْرَ وَعَرَّفَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَى التَّأْلِيفِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَفِي عَدَمِهِ جَهَالَةٌ تُوجِبُ خِلَافَ ذَلِكَ وَمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ مِنْ عَدَمِ التَّعْرِيفِ فَإِمَّا لِلِاتِّكَالِ عَلَى بَعْضِ تَلَامِذَتِهِمْ أَوْ لِاشْتِهَارِ نِسْبَةِ التَّأْلِيفِ لَهُمْ.

فَإِنْ قُلْت إنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ قُلْت نَعَمْ إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقُولَ الْقَوْلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى آخِرِ الشَّرْحِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَعْضِهِ مَقُولًا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِلُهُ أَيْضًا أَيْ حَاكِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقُولُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى آخِرِ الْخُطْبَةِ وَالْخَطْبُ سَهْلٌ (قَوْلُهُ الْمُحِيطِ) يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ أَلْ تَعْرِيفِيَّةً لَا مَوْصُولَةً إذْ الْخِلَافُ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ فِي أَلْ الدَّاخِلَةِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ هَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ أَوْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ إنَّمَا هُوَ إذَا أُرِيدَ بِهِ التَّجَدُّدُ وَالْحُدُوثُ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ فِعْلٌ فِي صُورَةِ الِاسْمِ وَلِذَا يَعْمَلُ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمَاضِي، وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُدُوثِ مِنْ نَحْوِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَهُوَ كَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَاللَّامُ فِيهَا حَرْفُ تَعْرِيفٍ اتِّفَاقًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا الْحُدُوثَ.

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحَاطَةِ تَعَلُّقُ عِلْمِهِ بِالْغُيُوبِ الْخَفِيَّةِ، وَهُوَ تَنْجِيزِيٌّ قَدِيمٌ فَلَيْسَ بِحَادِثٍ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ شَبَّهَ تَعَلُّقَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِالْإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ الَّتِي هِيَ الِاسْتِدَارَةُ بِهِ بِجَامِعِ أَنَّ مُتَعَلِّقَ كُلٍّ صَارَ تَحْتَ الْقَبْضَةِ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ وَاشْتُقَّ مِنْ الْإِحَاطَةِ مُحِيطٌ بِمَعْنَى مُتَعَلِّقٍ عِلْمُهُ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصِّفَةَ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ وَقَرَّبَ ذَلِكَ أَنَّ صِفَةَ الْمَوْلَى لَا يُقَالُ لَهَا غَيْرٌ كَمَا لَا يُقَالُ لَهَا عَيْنٌ وَهَذَا مَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢] وَقِيلَ إنَّ الْإِحَاطَةَ وَالْعِلْمَ مُتَرَادِفَانِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمُحِيطِ أَيْ الْعَالِمِ فَالصِّفَةُ جَرَتْ عَلَى مَنْ هِيَ لَهُ.

(قَوْلُهُ بِخَفِيَّاتِ الْغُيُوبِ) مِنْ إضَافَةِ مَا كَانَ صِفَةً أَيْ بِالْغُيُوبِ الْخَفِيَّاتِ أَيْ الْمُسْتَتِرَاتِ عَنَّا مَعْشَرَ الْإِنْسِ أَوْ مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ أَوْ مَعْشَرَ الْمَخْلُوقَاتِ جَمْعُ خَفِيَّةٍ أَوْ خَفِيٍّ أَيْ ذَاتٍ خَفِيَّةٍ أَوْ شَيْءٍ خَفِيٍّ وَالْمُرَادُ ذَاتُ الشَّيْءِ أَيْ نَفْسُهُ كَانَ ذَاتًا أَوْ وَصْفًا وَالْغُيُوبُ جَمْعُ غَيْبٍ بِمَعْنَى مَا غَابَ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ اسْتَتَرَ فَتَكُونُ الْخَفِيَّاتُ وَصْفًا مُؤَكَّدًا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ الْخَفِيَّاتِ مَا اشْتَدَّ خَفَاؤُهُ فَيَكُونُ وَصْفًا مُخَصَّصًا (قَوْلُهُ الْمُطَّلِعِ) أَيْ الْمُشْرِفِ هَذَا مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ وَلَكِنْ الْمُرَادُ لَازِمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَافَ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِهِ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ أَيْ الْعَالِمِ بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ السَّرَائِرِ فَهُوَ وَصْفٌ جَارٍ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ خِلَافَ الْأَوَّلِ كَمَا تَبَيَّنَ.

(قَوْلُهُ عَلَى سَرَائِرِ) جَمْعُ سَرِيرَةٍ أَوْ سِرٍّ مَا كَتَمَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرٍ مَا وَإِضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَهُ عَلَى مَعْنَى فِي أَوْ اللَّامِ الِاخْتِصَاصِيَّةِ (قَوْلُهُ الْقُلُوبِ) جَمْعُ قَلْبٍ، وَهُوَ لُغَةً مُشْتَرَكٌ بَيْنَ كَوْكَبٍ مَعْرُوفٍ وَالْخَالِصِ وَاللُّبِّ وَمِنْهُ قَلْبُ النَّخْلَةِ وَمَصْدَرُ قَلَبْت الشَّيْءَ رَدَدْته عَلَى بَدْئِهِ أَوْ قَلَبْته عَلَى وَجْهِهِ وَقَلَبْت الرَّجُلَ عَنْ الشَّيْءِ صَرَفْته عَنْهُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُضْغَةِ لِسُرْعَةِ الْخَوَاطِرِ إلَيْهَا وَتَرَدُّدِهَا فِيهَا كَمَا قِيلَ

وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إلَّا لِنَسْيِهِ ... وَلَا الْقَلْبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>