للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَالَيْنِ مَعًا حَالَةِ الرَّمْيِ وَحَالَةِ الْإِصَابَةِ فِي الْجُرْحِ وَحَالَةِ الضَّرْبِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ فِي النَّفْسِ وَهَذَا فِي الْعَمْدِ الَّذِي فِيهِ الْقَوَدُ وَأَمَّا الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ الَّذِي لَا قَوَدَ فِيهِ فَتَعَرَّضَ لَهُمَا فِيمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَضَمِنَ وَقْتَ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ وَحَيْثُ اُعْتُبِرَ الْحَالَانِ مَعًا فَإِذَا رَمَى كَافِرٌ مُرْتَدًّا وَقَبْلَ وُصُولِ الرَّمْيَةِ إلَيْهِ أَسْلَمَ اُعْتُبِرَ حَالُ الرَّمْيِ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ إنْ مَاتَ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَنَزَا وَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمُرَاعَاةِ حَالَةِ الْجُرْحِ فَقَوْلُهُ مَعْصُومًا صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ شَيْئًا فَيَشْمَلُ النَّفْسَ وَالطَّرَفَ وَالْجُرْحَ وَلَا يَشْمَلُ الْمَالَ لِقَوْلِهِ فَالْقَوَدُ وَلَا تَقِدْ شَخْصًا وَلَا آدَمِيًّا وَلَا عُضْوًا وَقَوْلُهُ لِلتَّلَفِ مُتَعَلِّقٌ بِ مَعْصُومًا وَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَى الَّتِي لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ أَيْ مُنْتَهِيَةٌ عِصْمَتُهُ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ وَالْإِصَابَةِ لَا بِمَعْنَى عِنْدَ وَعَلَى جَعْلِهَا لِلْغَايَةِ يُعْلَمُ مِنْهُ الْمَبْدَأُ لِأَنَّ كُلَّ غَايَةٍ لَهَا مَبْدَأٌ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ

ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْعِصْمَةَ تَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَشَارَ لِأَوَّلِهِمَا بِقَوْلِهِ (بِإِيمَانٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» وَلِثَانِيهِمَا بِقَوْلِهِ (أَوْ أَمَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَوْ جِزْيَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] (ص) كَالْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ (ش) التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ مَعْصُومًا وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَاتِلَ دَمُهُ مَعْصُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّ دَمِهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مُسْتَحِقِّ دَمِهِ فَلَا عِصْمَةَ لَكِنْ إذَا قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ أَيْ الْإِمَامِ الْعَدْلِ وَإِلَّا فَلَا أَدَبَ كَمَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَقَوْلُهُ (وَأُدِّبَ) رَاجِعٌ لِلْمَفْهُومِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ لَا مِنْ الْمُسْتَحَقِّ فَلَا قِصَاصَ وَأُدِّبَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْتَحَقُّ أُدِّبَ (ص) كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ أَحْصَنَ وَيَدِ سَارِقٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ وَعَلَيْهِ دِيَتُهُ إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ فَوَاتِ زَمَنِ الِاسْتِتَابَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ أَسْلَمَ) أَيْ الْمُرْتَدُّ وَقَوْلُهُ إنْ مَاتَ أَيْ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا حِينَ الرَّمْيِ وَلَوْ رَمَى حُرٌّ مُسْلِمٌ مِثْلَهُ بِسَهْمٍ فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ حِينَ الْإِصَابَةِ لَمْ تَسْتَمِرَّ الْعِصْمَةُ وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ نَزَا فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ صَارَ إلَى مَا أَحَلَّ دَمَهُ وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ فَمَاتَ مُرْتَدًّا أَوْ قُتِلَ لَثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي قَطْعِ الْيَدِ فَقَطْ لَا النَّفْسِ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَانَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصُومًا حِينَ السَّبَبِ وَلَا حِينَ الْمُسَبَّبِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصُومًا حِينَ الْمُسَبَّبِ فَقَطْ وَالْحُكْمُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ فِيهِمَا الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا حِينَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ وَبَيْنَهُمَا وَالْحُكْمُ فِي هَذَا أَنَّهُ يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ الْجَانِي عَلَى النَّفْسِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْجَانِي زَائِدًا بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ حِينَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَيُقْتَصُّ لَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْجَانِي حَيْثُ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَا مِنْ النَّاقِصِ عَنْهُ فِيهِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَكْسُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصُومًا حِينَ السَّبَبِ ثُمَّ تَحْصُلُ الْعِصْمَةُ حِينَ الْمُسَبَّبِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ (قَوْلُهُ يُعْلَمُ مِنْهُ الْمَبْدَأُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ خُصُوصُ الْمَبْدَأِ بَلْ يُعْلَمُ أَنَّ هُنَاكَ مَبْدَأً (قَوْلُهُ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِأَنَّ جُمْلَةَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَلَمٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ فِي الْمُصَنِّفِ الْإِسْلَامُ لَا الْإِيمَانُ الْبَاطِنِيُّ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَيْ بِإِيمَانٍ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَأَطْلَقَ الْإِيمَانَ وَأَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ (قَوْلُهُ أَوْ جِزْيَةٍ) وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِفَهْمِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ التَّشْبِيهُ إلَخْ) الْحَقُّ أَنَّهُ تَمْثِيلٌ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْقَاطِعَ وَنَحْوَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ (قَوْلُهُ لِافْتِيَاتِهِ) أَيْ وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ الِافْتِيَاتَ فَلَا أَدَبَ إذَا أَسْلَمَهُ الْإِمَامُ كَمَا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْتُلُهُ فَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ وَلَوْ غِيلَةً وَلَكِنْ يُرَاعَى فِيهِ أَمْنُهُ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً وَقَوْلًا لَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ أَيْ فِي نَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْقَاتِلِ إلَخْ

(قَوْلُهُ وَزَانٍ أَحْصَنَ) لَا غَيْرَ مُحْصَنٍ فَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَجَدْته مَعَ زَوْجَتِي وَثَبَتَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِذَلِكَ لِعُذْرِ الْغِيرَةِ وَعَلَى قَاتِلِهِ دِيَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ قَوْلِهِ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَطْخٍ فَلَا يُقْتَلُ لِدَرْئِهِ بِالشُّبْهَةِ وَانْظُرْ إقْرَارَهُ بِزِنَاهُ بِهَا وَكَذَلِكَ قَتْلَهُ بِهَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ بِأَرْبَعَةٍ فِي بِنْتِهِ وَأُخْتِهِ وَأُمِّهِ وَالظَّاهِرُ لَا قِصَاصَ فِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَيَدِ سَارِقٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ إقْرَارِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَطْعِ وَكَذَا يَدُ قَاطِعِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجِبُ قَطْعُهُ فَيُؤَدَّبُ الْقَاطِعُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَمَحَلُّ الْأَدَبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا وَقَعَتْ عَمْدًا (قَوْلُهُ إذَا قَتَلَهُ زَمَنَ الِاسْتِتَابَةِ) وَكَذَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ مِنْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلُ لَأَمْكَنَ رُجُوعُهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَنَصُّ ابْنِ شَاسٍ وَدِيَةُ الْمُرْتَدِّ فِي قَوْلٍ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي نَفْسِهِ وَفِي جِرَاحِهِ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَوَّلُهُمَا مَا رَوَاهُ سَحْنُونَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ عَقْلَهُ عَقْلُ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ وَثَانِيهِمَا مَا رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا لَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>