للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَائِدَةِ الْحَدِّ وَهُوَ التَّأَلُّمُ وَالْإِحْسَاسُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَالَةِ سُكْرِهِ. (ص) إنَّ أَقَرَّ، أَوْ شَهِدَا بِشُرْبٍ، أَوْ شَمَّ وَإِنْ خُولِفَا، وَجَازَ لِإِكْرَاهٍ وَإِسَاغَةٍ لَا دَوَاءٍ وَلَوْ طِلَاءً. (ش) يَعْنِي أَيْ: مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ حَدُّ الشُّرْبِ إنْ أَقَرَّ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلَانِ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّ رَائِحَةَ فَمِهِ خَمْرٌ وَكَذَلِكَ يُحَدُّ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِشُرْبِهَا، وَآخَرُ أَنَّهُ تَقَايَأَهَا فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ إلَى شُبْهَةٍ، أَوْ إلَى غَيْرِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الزِّنَا، وَكَذَلِكَ يُحَدُّ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلَانِ بِأَنَّ رَائِحَةَ فَمِهِ رَائِحَةُ مُسْكِرٍ، وَشَهِدَ عَدْلَانِ آخَرَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَائِحَةِ مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ الْمُثْبِتَةُ تُقَدَّمُ عَلَى النَّافِيَةِ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ مُثْبِتَةٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ، وَهَلْ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ؟ . أَيْ: فَيُقْطَعُ، وَيَجُوزُ شُرْبُ الْخَمْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ عَلَى شُرْبِهِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ شُرْبُهَا لِمَنْ غَصَّ بِطَعَامٍ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، لَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ الْإِبَاحَةُ، وَعَلَى كُلٍّ لَا حَدَّ، وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالْجَوَازِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِكْرَاهِ لَازِمُهُ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَدِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا حَدَّ فِي الْإِكْرَاهِ، فَعَبَّرَ بِالْمَلْزُومِ، وَأَرَادَ لَازِمَهُ، وَإِلَّا فَفِعْلُ الْمُكْرَهِ لَا يُوصَفُ بِحُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهَا إلَّا أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَالْإِكْرَاهُ يَكُونُ بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ ضَرْبٍ إلَخْ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْإِسَاغَةِ نَفَى الْحُرْمَةَ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طِلَاءً مِنْ خَارِجِ الْجَسَدِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَيْهِ إنْ تَدَاوَى بِهِ شُرْبًا حُدَّ، وَلَوْ فَعَلَهُ لِخَوْفِ الْمَوْتِ بِتَرْكِهِ

. (ص) وَالْحُدُودُ بِسَوْطٍ وَضَرْبٍ مُعْتَدِلَيْنِ قَاعِدًا بِلَا رَبْطٍ وَلَا شَدِّ يَدٍ بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحُدُودَ فِي الزِّنَا وَفِي الْقَذْفِ، وَفِي التَّعْزِيرِ، وَفِي الشُّرْبِ تَكُونُ بِسَوْطٍ مُعْتَدِلٍ وَضَرْبٍ مُعْتَدِلٍ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّجْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: صِفَةُ الضَّرْبِ فِي الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْفِرْيَةِ وَالتَّعْزِيرِ ضَرْبُ وَاحِدٍ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ لَيْسَ بِالْمُبَرِّحِ، وَلَا بِالْخَفِيفِ، وَلَمْ يُحِبَّ مَالِكٌ ضَمَّ الضَّارِبِ يَدَهُ إلَى جَنْبِهِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ قَضِيبٌ وَشِرَاكٌ وَلَا دِرَّةٌ، وَلَكِنْ السَّوْطُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ لِلْأَدَبِ قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَصِفَةُ السَّوْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِلْدٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَكُونَ لَهُ رَأْسَانِ، وَأَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ لَيِّنًا، وَيَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى، وَلَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ عَقْدَ التِّسْعِينَ، وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَيُؤَخِّرُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى. اهـ.، وَصِفَةُ عَقْدِ التِّسْعِينَ أَنْ يَعْطِفَ السَّبَّابَةَ حَتَّى تَلْقَى الْكَفَّ، وَيَضُمَّ الْإِبْهَامَ إلَيْهَا، وَيَكُونَ الْمَضْرُوبُ قَاعِدًا فَلَا يُمَدُّ بِلَا رَبْطٍ وَبِلَا شَدٍّ، وَيَكُونُ الْحَدُّ فِي ظَهْرِهِ، وَفِي كَتِفَيْهِ دُونَ مَا عَدَاهُمَا قَالَ الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَتَوَلَّى ضَرْبَ الْحَدِّ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ وَسَطُ الرِّجَالِ، وَيَضْرِبُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَالْمَحْدُودُ قَاعِدٌ لَا يُمَدُّ، وَلَا يُرْبَطُ، وَتُحَلُّ لَهُ يَدَاهُ اهـ. أَيْ: إلَّا أَنْ لَا يَقَعَ الضَّرْبُ مَوْقِعَهُ بِأَنْ يَضْطَرِبَ مَثَلًا فَيُرْبَطَ

. (ص) وَجُرِّدَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ، وَنُدِبَ جَعْلُهَا فِي قُفَّةٍ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ يُجَرَّدُ مِنْ سِوَى مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُجَرَّدُ مِمَّا يَقِيهَا الضَّرْبَ، فَقَوْلُهُ: مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ رَاجِعٌ لِلْمَرْأَةِ فَقَطْ، فَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى قَوْلِهِ: الرَّجُلُ، ثُمَّ يَبْتَدِئَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَثْنَائِهِ لِقَرِينَةٍ حَسَبَ مِنْ أَوَّلِ مَا أَحَسَّ بِهِ وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْإِحْسَاسَ وَلَا قَرِينَةَ تُصَدِّقُهُ وَلَا تُكَذِّبُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ مَأْمُونًا لَا يُتَّهَمُ وَهَذَا فِي حَدِّ السُّكْرِ وَأَمَّا الْقَطْعُ فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ طَافِحًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ النَّكَالُ وَمِثْلُ هَذَا حَدُّ الْفِرْيَةِ إنْ رَضِيَ بِذَلِكَ مَنْ لَهُ الْحَدُّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ شَمٍّ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ بِالرَّائِحَةِ أَنْ يَكُونَ شَرِبَهَا لِأَنَّهُ حَكَى عَنْ الْقَبَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْرِفُ رَائِحَتَهُ وَمَا شَرِبْتُهَا قَطُّ أَوْ شَرِبَهَا لِإِسَاغَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ لِعَدَمِ عِلْمٍ أَوْ شَرِبَهَا مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِ الْإِكْرَاهِ وَعَدَمِ الْإِسَاغَةِ وَلَكِنْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ الْمَوْتُ ثُمَّ تَابَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّمِّ مِنْ اثْنَيْنِ سَوَاءٌ طَلَبَهَا الْقَاضِي أَوْ قَامَ بِهَا مُحْتَسِبٌ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِأَصْبَغَ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَإِسَاغَةٍ) وَتُقَدَّمُ الْإِسَاغَةُ بِالنَّجِسِ عَلَى الْإِسَاغَةِ بِالْخَمْرِ لِشِدَّةِ حُرْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُهُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ النَّجِسِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ طِلَاءً) أَيْ لِظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ قَوْلَانِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَمَحَلُّهُمَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ وَأَمَّا هُوَ فَهُوَ حَرَامٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَعَلَهُ لِخَوْفِ الْمَوْتِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغُصَّةِ حَيْثُ جَازَ مَعَهَا مَا مَعَهَا مِنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَوْتِ

. (قَوْلُهُ: وَلَا شَدِّ يَدٍ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ لِانْدِرَاجِ شَدِّهَا فِي الرَّبْطِ. (قَوْلُهُ: بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ) أَيْ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ لَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْجَسَدِ وَصِفَةُ التَّعْزِيرِ كَصِفَةِ الْحَدِّ وَهَلْ مَحَلُّ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الظَّهْرُ وَالْكَتِفَانِ كَالْحَدِّ أَوْ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَهَلْ لَهُ إيقَاعُ جَمِيعِ الْحَدِّ فِي الظَّهْرِ فَقَطْ أَوْ بِالْكَتِفَيْنِ فَقَطْ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَكَّلَ مَحَلُّهُ لِلْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْحُدُودَ فِي الزِّنَا) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي أَنَّ الضَّرْبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَفِي التَّعْزِيرِ

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي ك وَيُشْتَرَطُ فِي الضَّارِبِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. (قَوْلُهُ: قَضِيبٌ) الْقَضِيبُ الْمَقْضُوبُ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ كَالْعَصَا الْمَقْطُوعَةِ مِنْ الشَّجَرِ وَقَوْلُهُ وَشِرَاكٌ الشِّرَاكُ هُوَ سَيْرُ النَّعْلِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ وَقَوْلُهُ وَلَا دِرَّةٌ بِكَسْرٍ الدَّالِ جَمْعُهُ دِرَرٍ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وَالدِّرَّةُ السَّوْطُ أَيْ سَوْطٌ صَغِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ عَقْدَ التِّسْعِينَ) عَطْفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ

. (قَوْلُهُ: مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ) فَالْمَرْأَةُ يَتْرُكُ عَلَيْهَا مِنْ الثِّيَابِ مَا يَسْتُرُ جَسَدَهَا عَنْ الْأَعْيَنِ وَلَا يَقِيهَا الضَّرْبَ أَيْ الْقَائِمُ وَلَا بَأْسَ بِثَوْبَيْنِ وَيَنْزِعُ مَا عَدَاهُمَا ابْنُ الْجَلَّابِ وَيَنْزِعُ الْجُبَّاتِ وَالْفِرَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>