للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِقَوْلِهِ: (وَفِي مُصَادَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا تَخَيَّرَ شَهْرًا وَصَامَهُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَمَضَانُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا تَرَدُّدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَحَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى الْمُتَخَيِّرِ، وَأَمَّا الظَّانُّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ التَّرَدُّدُ بَلْ يُقْطَعُ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ تَبَعًا لِبَعْضٍ وَعَلَى إجْزَاءِ الْمُصَادَفَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ حَدَثَ لَهُ شَكٌّ هَلْ كَانَ مَا صَامَهُ رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ هُوَ أَوْ مَا قَبْلَهُ قَضَاهُ اهـ.

وَعَنْ هَذَا احْتَرَزْت بِقَوْلِي وَلَا طَرَأَ عَلَيْهِ شَكٌّ

. (ص) وَصِحَّتُهُ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّوْمِ فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ النِّيَّةُ الْمُبَيَّتَةُ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الْغُرُوبُ حَتَّى الْفَجْرِ وَلَا يَضُرُّ مَا حَدَثَ بَعْدَهَا مِنْ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَالنَّوْمِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَمَا يَأْتِي فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ قَبْلَ الْغُرُوبِ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَلَا بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْقَصْدُ وَقَصْدُ الْمَاضِي مُحَالٌ عَقْلًا وَنَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مَعَ الْفَجْرِ) وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ أَنْ تُقَارِنَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ تَقْدِيمَهَا لِمَشَقَّةِ تَحْرِيرِ الِاقْتِرَانِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ جَازِمَةً لَا تَرَدُّدَ فِيهَا فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ صَوْمِ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَضُرُّ التَّرَدُّدُ بَعْدَ حُصُولِ الظَّنِّ بِشَهَادَةٍ أَوْ اسْتِصْحَابٍ كَآخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ بِاجْتِهَادٍ كَأَسِيرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا إلَى الْفَجْرِ بَلْ أَنْ لَا يَحْدُثَ مَا يَقْطَعُهَا قَبْلَهُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ اُعْتُبِرَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ

(ص) وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ النِّيَّةَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ تَكْفِي فِي الصَّوْمِ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَتِهِ وَهِيَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ فِي حَقِّ مَنْ أَبْطَلَ صَوْمَهُ مُتَعَمِّدًا كَمَا يَأْتِي وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالنَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ يَجِبُ تَتَابُعُهَا يَكْفِي فِيهَا النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِ الْحَجِّ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: كَفَتْ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا مَا كَانَ مِنْ الصِّيَامِ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فِي السَّفَرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّبْيِيتِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَقَوْلُهُ:

ــ

[حاشية العدوي]

مَا ثَبَتَ أَنَّهُ بَعْدَهُ، أَوْ مَا بَقِيَ عَلَى الشَّكِّ (قَوْلُهُ: وَفِي مُصَادَفَتِهِ) أَيْ: وَفِي عَدَمِ إجْزَائِهِ عِنْدَ مُصَادَفَتِهِ لَهُ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ مَعَ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَعْدَهُ يُجْزِئُ أَجَابَ تت بِأَنَّ مَا صَادَفَ مِنْ الْأَدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَيُغْتَفَرُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي بَابِ الْأَدَاءِ وَإِجْزَائِهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ، وَفِي النَّوَادِرِ الْإِجْزَاءُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ وَلِبَعْضٍ وَفِي إجْزَاءِ إلَخْ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَقْرِيرِ شَارِحِنَا، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْقَرِيبِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ: وَحَمَلْنَا إلَخْ) الْمُنَاسِبُ الْعُمُومُ مِنْ الظَّنِّ وَالشَّكِّ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْبَيَانِ، وَإِنْ كَانَ وَجْهُهُ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: وَعَلَى إجْزَاءِ الْمُصَادَفَةِ) أَيْ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ الْمُصَادَفَةِ أَيْ: أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُشَارِ لَهُمَا بِقَوْلِهِ وَفِي مُصَادَفَتِهِ (قَوْلُهُ: إنْ حَدَثَ لَهُ شَكٌّ إلَخْ) لَيْسَ الْمُرَادُ إنْ حَدَثَ شَكٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَادَفَةِ، بَلْ الْمُرَادُ إنْ حَدَثَ شَكٌّ لِمَنْ كَانَ شَكَّ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ شَكَّ وَصَامَ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ السِّجْنِ مَثَلًا طَرَأَ لَهُ شَكٌّ آخَرُ، فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمُصَادَفَةِ فَلَا يُجْزِئُهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ الْمُصَادَفَةِ فَيُجْزِئُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَعَنْ هَذَا احْتَرَزْت) وَوَجْهُ تَغَيُّرِ الشَّكِّ أَنَّ الشَّكَّ الْأَوَّلَ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَهَذَا فِي بَعْضِهَا.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) جَوَّزَ بَعْضُهُمْ نَصْبَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ لَكِنَّ مَجِيءَ الْمَصْدَرِ حَالًا سَمَاعِيٌّ (قَوْلُهُ: نِيَّةٍ) أَيْ: نِيَّةِ الصَّوْمِ هَذِهِ أَصْلُ النِّيَّةِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ الْكَامِلَةُ فَأَنْ يَنْوِيَ الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِغْرَاقِ طَرَفَيْ النَّهَارِ لِلْإِمْسَاكِ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَا يَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ التَّلَفُّظِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ إلَخْ) فِي عب بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ فَيُبْطِلَانِ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ عَلَيْهِمَا إنْ اسْتَمَرَّا لِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِلَّا لَمْ يَضُرَّ كَمَا سَيَأْتِي اهـ.

وَسَيَأْتِي مَا يُثْبِتُ صِحَّتَهُ (قَوْلُهُ: وَقَصْدُ الْمَاضِي) أَيْ: وَقَصْدُ صَوْمِ الْمَاضِي وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي مَضَى مِنْ الْيَوْمِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُحَالُ لَيْسَ الْقَصْدَ، بَلْ الْمَقْصُودَ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ الْفَجْرِ) أَيْ: وَقْتَ مُصَاحَبَتِهِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَقْتَهُ فِي الْجُزْءِ مِنْ اللَّيْلِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ الْفَجْرُ، بَلْ الْمُرَادُ وَقْتُ مُقَارَنَتِهِ لِطُلُوعِهِ، وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: كَنَزْعِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ طُلُوعَ الْفَجْرِ قَالَهُ عج عِنْدَ قَوْلِهِ: وَوَجَبَ إنْ طَهُرَتْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّ تَقَدُّمَ النِّيَّةِ جَائِزٌ، وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازُ، وَكَذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ النَّقْلِ إلَّا الْإِجْزَاءُ (قَوْلُهُ: جَازِمَةً) أَيْ: مَجْزُومٌ بِهَا أَيْ: بِمُتَعَلِّقِهَا مِنْ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: شَهَادَةٍ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِهِلَالِ الشَّهْرِ تُوجِبُ الظَّنَّ بِحُصُولِهِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا.

(قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ النِّيَّةَ الْوَاحِدَةَ إلَخْ) خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ كَالْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ اعْتِبَارًا بِرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِ الْحَجِّ، أَوْ كَالْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ لِعَدَمِ فَسَادِ مَا مَضَى مِنْهُ؟ (قَوْلُهُ: كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ) وَلَا يُقَالُ حَيْثُ كَانَ الصِّيَامُ كَالصَّلَاةِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ جَمِيعِهِ بِبُطْلَانِ يَوْمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي تَوَقَّفَ آخِرُهَا عَلَى أَوَّلِهَا، وَأَمَّا الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ آخِرُهَا عَلَى أَوَّلِهَا فَلَا تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ لَك أَنْ تَصُومَ بَعْضًا مِنْ رَمَضَانَ وَتُفْطِرَ بَعْضَهُ، وَلَا يَلْزَمُك قَضَاءُ مَا صُمْته وَلَوْ مَعَ تَعَمُّدِ الْفِطْرِ فِي الْبَاقِي، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَيَتَوَقَّفُ آخِرُهَا عَلَى أَوَّلِهَا وَلَا يُقَالُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ كَفَّارَةُ نَحْوُ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَشُدِّدَ فِيهَا مَا لَمْ يُشَدَّدْ فِي غَيْرِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>