للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فَمَنْ جَحَدَهُ كَفَرَ وَاسْتُتِيبَ، وَمَنْ تَرَكَهُ مُسْتَطِيعًا فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ أَيْ: لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ سُنَّةٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً عَلَى الْمَشْهُورِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ وَقِيلَ: فَرْضٌ كَالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ: فَرْضٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَعَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا بِفَرْضٍ وَعَبَّرَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ: تَجِبُ لِيَكُونَ الْفَرْضُ غَيْرَ مُرَادِفٍ لِلْوَاجِبِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا فِي بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ فَمُرَادِفٌ وَهَلْ فُرِضَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ؟ وَنَزَلَ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] تَأْكِيدًا، أَوْ بَعْدَهَا سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ، أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِكْمَالِ أَقْوَالٌ «وَحَجَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ» «وَسُئِلَ أَنَسٌ كَمْ اعْتَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ أَرْبَعًا: عُمْرَتُهُ الَّتِي صَدَّهُ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَتُهُ أَيْضًا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حِينَ صَالَحُوهُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَتُهُ حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَتُهُ مَعَ حَجَّتِهِ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَوَّالٍ.

(ص) وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ (ش) أَيْ: وَفِي

ــ

[حاشية العدوي]

ذَلِكَ وَيَجُوزُ نَصْبُ مَرَّةً عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ أَيْ: فُرِضَ الْمَرَّةُ مِنْ الْحَجِّ وَسُنَّتْ الْمَرَّةُ مِنْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ حُوِّلَ وَنُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَرْضُ الْحَجِّ مَصْدَرٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَعَطْفُ سُنَّةُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ، وَرُفِعَ مَرَّةٌ عَلَى الْخَبَرِ وَعَلَيْهِ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ: مَفْرُوضِ الْحَجِّ وَمَسْنُونِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَفِيهِ إخْرَاجُ " مَرَّةً " عَمَّا هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّهَا وَجَمِيعُ أَخَوَاتهَا مِنْ طَوْرٍ، أَوْ فَوْرٍ أَوْ ذَاتَ مَرَّةٍ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ إذْ التَّقْدِيرُ فُرِضَ الْحَجُّ حَجًّا مَرَّةً وَسُنَّ الْعُمْرَةُ اعْتِمَارًا مَرَّةً لَا يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْحَقِيقَةُ الْمَخْصُوصَةُ فَهُمَا جَامِدَانِ فَلَا يَعْمَلَانِ لِأَنَّا نَقُولُ عَمَلُهُمَا نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا مِنْ الْمَصْدَرِيَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ) أَيْ: وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّ اسْتِحْبَابَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا هُوَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَجَازَ تَكْرَارُهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَوَّلُ السَّنَةِ الْمُحَرَّمُ فَيَجُوزُ لِمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الْمُحَرَّمِ الْحَاصِلِ أَنَّ الْحَجَّ أَوَّلُ مَرَّةٍ فُرِضَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَيَنْبَغِي لَهُ قَصْدُ إقَامَةِ الْمَوْسِمِ لِيَقَعَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إقَامَتَهُ وَقَعَ مَنْدُوبًا، وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ فَسُنَّةٌ عَيْنٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَكِفَايَةٌ إذَا قَصَدَ بِهَا الْقِيَامَ عَنْ النَّاسِ وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ كُلَّ عَامٍ اُنْظُرْ شَرْحَ عب.

(فَائِدَةٌ) فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ قِيلَ الْعُمْرَةُ، أَوْ الْعَكْسُ قَوْلَانِ اهـ (قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] قِيلَ نَزَلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَقِيلَ نَزَلَ سَنَةَ عَشْرٍ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ) أَيْ: صَحَّحَ كَوْنَهُ سَنَةَ سِتٍّ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ) أَيْ: صَحَّحَ كَوْنَهُ سَنَةَ تِسْعٍ (قَوْلُهُ: حَجَّةً وَاحِدَةً) أَيْ: عَامَ عَشَرَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ غَيْرَهَا وَحَجَّ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَجَّتَيْنِ عَلَى مَا رُوِيَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي أَنَّهُ حَجَّ بِمَكَّةَ حَجَّةً وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَالَ: الْمَرْوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَهُوَ بِمَكَّةَ الْحَجَّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: حَجَّةُ الْوَدَاعِ) أَيْ: وَدَاعِ النَّاسِ بِالْوَصَايَا قُرْبَ مَوْتِهِ فَقَدْ وَصَّاهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ. اهـ وَأَرَادَ بِالْيَوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالشَّهْرِ شَهْرَ الْحِجَّةِ وَالْبَلَدِ مَكَّةَ.

(فَائِدَةٌ) اُخْتُلِفَ هَلْ شُرِعَ الْحَجُّ لِغَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ كَانَ وَاجِبًا مِنْ زَمَنِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

(فَائِدَةٌ أُخْرَى) حَاصِلُ مَا قَالُوا أَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ يُسْقِطُ الصَّغَائِرَ اتِّفَاقًا وَكَذَا الْكَبَائِرَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَأَمَّا التَّبَعَاتُ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ لَا يُسْقِطُهَا الْحَجُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ إسْقَاطُهُ إيَّاهَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ أَيْ: كَوَدِيعَةٍ، وَمُرَادُهُ بِالتَّبَعَاتِ الَّتِي قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِسُقُوطِهَا أَيْ: التَّبِعَاتِ الْبَاطِنَةِ كَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَلِذَا قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ عَقِبَ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ مَا نَصُّهُ: وَمَا قَالَهُ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ فِي الذِّمَّةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ دُيُونٍ وَغَيْرِهَا أَيْ: كَالْوَدَائِعِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ حَجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ نَعَمْ يُرْجَى أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فِي الدُّنْيَا وَيَرْضَى عَنْهُ الْخُصُومُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.

وَالْمَبْرُورُ هُوَ الْمُتَقَبَّلُ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَزْدَادَ بَعْدَهُ خَيْرًا فَإِنْ قُلْت: لِمَ تَأَخَّرَ حَجُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَامِ عَشَرَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ تَنْزِيهِ أَمَاكِنِ النُّسُكِ وَالطَّوَافِ عَنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّوَافِ عُرْيَانِينَ وَإِبْعَادِ الْكُفَّارِ عَنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ بَعَثَ الصِّدِّيقَ حَجَّ بِالنَّاسِ وَحَجُّهُ كَانَ نَدْبًا وَبَعَثَ خَلْفَهُ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ يُنَادِي بِالنَّاسِ لَا يَبْقَى مُشْرِكٌ. . . إلَى آخِرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: عُمْرَتُهُ الَّتِي صَدَّهُ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ) فَنَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا صَدَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اعْتَمَرَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّ الْمُرَادَ اعْتَمَرَ حَقِيقَةً أَيْ: حَصَلَ ثَوَابُ الْعُمْرَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ أُقْهِرَ عَلَى عَدَمِ إكْمَالِهَا (قَوْلُهُ: حِينَ صَالَحُوهُ إلَخْ) وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضَى قُرَيْشًا فِي الْأُولَى عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَدْخُلُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيُقِيمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

(قَوْلُهُ: وَفِي فَوْرِيَّتِهِ) هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>