للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما زال قلبى يطرز الحلل التى تنسجها الفصاحة والبلاغة فى فتوح الأقاليم، يعوّده أرباب الإنصاف، ومحامد الأوصاف، من كل حاسد وراشق بالحواميم حتى ادخر الله له هذا الفتح الذى شققت له لسانه، فعلا المنابر الخمس، وجاش من بحر البيان مما يطرب ويلهج، ويبهج كل سمع وناظر ونفس، فكتبت إلى كل ذى طرف بمعنى ظريف، ولفظ فصيح حصيف، وسهرت تلك الليالى حتى نظمت اللآلى، وبشرت المسجد الحرام بخلاص المسجد الأقصى، وتلوت: «شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا» ، «١» وهنأت الحجر الأسود بالصخرة البيضاء، ومنزل الوحى بمحلّ الإسراء، ومقر سيد المرسلين وخاتم النبيين بمقر الرسل والأنبياء، ومقام قدم إبراهيم الخليل بموضع قدم محمد المصطفى صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وأدام أهل الإسلام ببيته المقدس مستمتعين.

ابن أبى منصور الدمياطى «٢» : وزير الأشراف وكاتبه. كتب لصديق له: مررنا فى بعض العشايا على بعض البساتين المجاورة للنيل فرأينا فيها «٣» بئرا عليها دولابان متحدثان، قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس، ولعبت بقلوب ناظريها لعب الأمانى بالمفاليس، يئنان أنين أهل الأشواق، ويفيضان دمعا أغزر من دموع العشاق، والروض قد جلا للأعين زبرجده، والأصيل قد راقه حسنه، فنثر عليه عسجده، والزهر قد نظم جواهره فى أجياد الغصون، والسلاسل قد أذالت من مسلسل فضتها كل مصون، والنبت قد اخضر شاربه وعارضه، وطرف النسيم قد ركضه فى ميادين الزهر راكضه، ورضاب الماء قد علاه من الظلال لما، وحيات المجارى جارية، تخاف من زمرد النبات العما، والبحر قد صقل صيقل النسم درعه، وزعفران العشى قد ألقى فى ذيل الجو ردعه.