للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما جرى من بعض أصحابنا الذين عاشروا الأدباء، وفهموا فهما معكوسا. حضر ليلة عند رئيس، فغنت جارية بقول الشاعر:

حمامة بطن الواديين ترنّمى ... سقاك من الغرّ الغوادى مطيرها

فما أتمّت البيت حتى علا شهيقه، فقلنا له: ما شأنك، فجعل يبكى ويزيد.

فأسكننا القينة، وأخذنا فى سؤاله. فقالت: تذكرت حمارة كانت عندنا ببلادنا ببطن الوادى كنت أنيكها أنا وأخ لى، فها أنا ها هنا، وما أدرى ما فعل الله بأخى ولا بالحمارة. فانقلب المجلس ضحكا. فدخل فى السلاح وجذب القوس إذ فهم أنّا نهزأ به. فاجتمعنا عليه، وأوثقناه كتافا، وجعلناه فى بيت مفرد حتى أصبحنا وخلّينا سبيله، ولم نشرب معه بعد ذلك خوفا من عربدته وتذكّره القصة.

ا، ب حكاية مضحكة ذكر ابن الربيب أيضا أن شخصا من أصحاب المرقّعات المرائين بكثرة الصلاة والتسبيح صحب فى طريق تاجرا كثير المال والمماليك الملاح فأنسوا بذلك الفقير وصبّروه إماما فى الصلاة، فلما أجهدهم التعب ذات يوم وقعوا فى الليل كالأموات/ فدبّ على واحد منهم، فقام معه وقد فرغ. وأفلت الفقير، وعاد لمكانه، وانقلب على وجهه، وجرّد عن مؤخّره، وملأه بصاقا، وصاح المملوك، وأسرجت الشمعة، وطلب الفاعل، وجعل التاجر يتصفح مكان الريبة، فنظر إلى الصوفى على تلك الحال، فلها عن المملوك. وقال: انظر هذا الفاعل الصانع الذى دبّ حتى على الرجل الصالح، استروا جحره، وامسحوا ثقبه لئلا ينتبه ونقع معه فى خجله. فامتثلوا ما أمر به سيّدهم وجعلوا يضحكون من الفقير، وتغافلوا عن البحث فرأوا ستر القضيّة أولى.

أخرى كان بدمشق شخص يعرف بسليمان المفسّر له حكايات فى هذا الباب غريبة، ومن أطرفها أن جماعة من الجيدريّة «١» وصلوا من العجم إلى دمشق، وكان معهم