للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لما أمر -[تعالى]- بطاعَةِ الرَّسُول في الآيةِ الأولَى، رغَّب في هذه الآيةِ مَرَّة أخْرَى.

قال الزَّجَّاج: كلمة «مِنْ» هَهُنَا صِلَة زَائِدَة، والتَّقْدِير: وَمَا أرْسلْنَا رَسُولاً.

قوله: «ليطاع» هذه لَامُ كي، والفِعْلُ بَعْدَها مَنْصُوب بإضْمَار «أن» ، وهذا استِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ من المَفْعُول لَهُ، والتَّقْدِير: ومَا أرسَلْنَا من رسُولٍ لشَيْءٍ من الأشْيَاءِ إلَاّ للطَّاعَةِ.

و «بإذن الله» . فيه ثلاثَةَ أوْجُه:

أحدها: أنه يَتَعَلَّق ب {لِيُطَاعَ} والبَاءُ للسَّبَبِيَّة، وإليه ذَهَب أبُو البَقَاءِ؛ قال: وقيل: مَفْعُولٌ به، أي: بِسَبَبِ أمْر اللَّه.

الثاني: أن يَتَعَلَّق ب «أرسلنا» أي: وما أرسلنا بأمْرِ اللَّه، أي: بِشَرِيعَته.

الثالث: أن يتعلَّق بِمحْذُوفٍ على أنه حالٌ من الضَّمِير في «يطاع» وبه بَدأ أبُو البَقَاء.

وقال ابن عَطِيَّة: وعلى التَّعْلِيقَيْنِ؛ أي: تعليقُهُ ب «يطاع» أو ب «أرسلنا» ، فالكلام عَامٌّ واللَّفْظُ خاصٌّ، المعنى لأنَّا نَقْطَع أن اللَّه قد أرَاد من بَعْضِهِم ألَاّ يُطيعُوه، ولذلِك تأوَّل بَعْضُهم الإذْن بالعِلْمِ، وبعضهم بالإرْشَادِ.

قال أبو حَيَّان: ولا يَحْتَاجُ لذلك؛ لأن قَوْلَه عامُّ اللَّفْظِ مَمْنُوع؛ وذلك أن «يطاع» مبني للمَفْعُول فيقدر ذَلِك الفَاعِل المَحْذُوف خَاصاً، وتقديره: إلَاّ ليُطيعَه من أراد [الله] طاعَتَهُ.

فصل

قال الجُبَّائِيّ: معنى الآية: وما أرْسَلْنَا من رسُول إلاّ وأنا مُريدٌ، أن يُطَاعَ ويُصَدَّق، ولم أرسِلْهُ لِيُعْصَى، [و] وهذا يَدُلُّ على بُطْلان مَذْهَب المجَبَّرة؛ لأنَّهُم يَقُولون: إنه - تعالى - أرْسَل رُسُلاً لتُعْصَى، والعَاصي من المَعْلُومِ أنَّهُ يَبْقَى على الكُفْرِ، وقد نَصَّ الله - تعالى - على كَذبِهِم في هَذِه الآيَة، وكان يَجِبُ على قَوْلِهِم أن يكُون قَدْ أرْسَل الرُّسُل لِيُطاعُوا وليُعْصُوا جَميعاً، فدلَّ ذلك على أنَّ مَعْصِيتَهُم للرُّسُل غير مُرَادةٍ لله - تعالى -، وأنَّه ما أرَادَ إلا أنْ يُطاعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>