للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله - تعالى -: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ} الآية لمَّا ذكر قَبَائِح أفْعَالِ اليَهُودِ، ذكر عَقِيبَهُ تشديدَهُ - تعالى - عليْهِم في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، أما تَشْدِيدُه في الدُّنْيَا، فهو تَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتِ عليهم وكانتْ مُحَلَّلَةً لهم قَبْل ذلك؛ لقوله - تعالى -: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: ١٤٦] إلى قوله [- تعالى -] : {ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ} [الأنعام: ١٤٦] وقيل: لمحمد عليه السلام.

قوله سبحانه: «فَبِظُلمٍ» : هذا الجارُّ متعلِّق ب «حَرَّمْنَا» والباء سببية، وإنما قُدِّم على عاملِه؛ تنبيهاً على قبح سبب التحريمِ، وقد تقدَّم أنَّ قوله: «فَبِظُلْمٍ» بدلٌ من قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} ، وتقدَّم الردُّ على قائله أيضاً فأغْنَى عن إعادته، و «مِنَ الذِينَ» صفة ل «ظُلْم» أي: ظُلْمٍ صادر عن الذين هادُوا، وقيل: ثَمَّ صفةٌ للظلم محذوفةٌ للعلْمِ بها، أي: فبظُلْمٍ أيِّ ظُلْمٍ، أو فبِظُلْمٍ عَظِيمٍ؛ كقوله: [الطويل]

١٩٠٠ - فَلَا وَأبِي الطَّيْرِ المُرِبَّةِ بِالضُّحَى ... عَلَى خَالِدٍ لَقَدْ وَقَعْتِ عَلَى لَحْمِ

أي: لَحْمٍ عظيمٍ.

قوله جلَّ وعلا: «أُحِلَّتْ لَهُمْ» هذه الجملةُ صفةٌ ل «طَيِّبَات» فمحلُّها نصبٌ، ومعنى وصفها بذلك، أي: بما كانَتْ عليه مِنَ الحِلِّ، ويوضِّحه قراءة ابن عباس: «كانَتْ أُحِلَّتْ لَهُم» والمُرَادُ من ظُلْمِهِم: ما تقدَّم ذِكْرُه من نَقْضِ الميثاقِ، وكُفْرِهِم بآيَاتِ اللَّهِ، وبُهْتَانِهِم على مَرْيَمَ، وقولهم: «إنا قتلنا المسيح» {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} وهو ما ذُكِرَ في سُورَةِ الأنْعَامِ [الأنعام: ١٤٦] «وبصَدِّهِمْ» وبصرْفِهِم أنْفُسهم وغيرهم {عَن سَبِيلِ الله} عن دين اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>