للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

اللام جواب قسم محذوفٍ، أي: واللَّهِ، ليَبْلُونَّكُمْ، وقد تقدَّم أنه تَجِبُ اللامُ وإحدى النونَيْن في مثل هذا الجواب واللام في «لَيْبلونَّكُمْ» مفتوحة لالتقاء الساكنين. قوله تعالى: «بِشَيءٍ» متعلِّقٌ ب «لَيَبلُونَّكُمْ» أي: لَيَخْتبرنَّكُمْ بشيءٍ؛ وقوله تعالى: «مِنَ الصَّيْدِ» : في محلِّ جرٍّ صفةً ل «شَيْء» فيتعلَّقُ بمحذوف، و «مِن» الظاهرُ أنها تبعيضيةٌ؛ لأنه لم يُحَرِّم صيدَ الحلال، ولا صيدَ الحِلِّ، ولا صيد البْحرِ، وقيل: إنها لبيان الجِنْسِ، وقال مكيٌّ: «وقيل» مِنْ «لبيان الجنس، فلما قال» بِشَيء «لم يُعْلَمْ من أي جنْسٍ هو: فبيَّن، فقال:» مِنَ الصَّيْدِ «؛ كما تقولُ: لأعْطِيَنَّكَ شَيْئاً مِنَ الذَّهَب» ، وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء، ثم قال: «وقيل: إنَّها للتبعيض» ، وكونُها للبيان فيه نظرٌ؛ لأنَّ الصَّحيحَ أنها لا تكونُ للبيان، والقائلُ بأنها للبيان يُشْترطُ أنْ يكونَ المُبَيَّنُ بها معرَّفاً بألِ الجنسيَّة؛ كقوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: ٣٠] ، وبه قال ابن عطيَّة أيضاً، والزَّجَّاج هو الأصل في ذلك، فإنه قال: وهذا كما تقولُ: «لأمْتَحِنَنَّكَ بِشَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ» ، وكما قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: ٣٠] .

والمرادُ بالصَّيْد: المَصِيدُ، لقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} والصَّيْدُ إذا كان بِمَعْنَى المصدرِ يكون حدثاً، وإنما يُوصفُ بِنَيْلِ الأيْدِي والرِّمَاحِ ما يكونُ عَيْناً.

قوله تعالى: «تَنَالُهُ» في محلِّ جر؛ لأنَّه صفةٌ ثانيةٌ ل «شَيْء» ، وأجاز أبو البقاء أن يكون حالاً: إمَّا من الصَّيْد، وإمَّا من «شَيْء» ، وإن كان نكرة؛ لأنه قد وُصِفَ فتخصَّصَ، واستبعدَ أبو حيان جَعْلَه حالاً من الصَّيْد، ووجهُ الاستبعادِ: أنه ليس المقصودَ بالحديثِ عنه، وقرأ الجُمْهُور: «تَنَالُهُ» بالمنقوطةِ فوقُ؛ لتأنيثِ الجمع، وابنُ وثَّاب والنخعي بالمنقوطةِ من تحْتُ؛ لأنَّ تأنيثه غيرُ حقيقيٍّ.

فإن قيل: نزلتْ هذه الآيةُ عام «الحُدَيْبِيَةِ» ، وكانوا مُحْرِمِينَ ابتلاهُمُ اللَّه بالصَّيْد، وكانت الوُحُوش تَغْشَى رحالَهُم من كَثْرَتِها، فهمُّوا بأخْذِهَا، فنَزَلَتْ هذه الآيَةُ أي: لَيَخْتَبِرَنَّكُمْ.

وفائِدَةُ البَلْوَى: إظْهَارُ المُطِيعِ من العَاصِي، وإنَّما بَعَّضَ الصَّيْد؛ لأنه ابتلاهُم بِصَيْدِ البَرِّ خاصَّةً، وقيل: صَيْد الإحْرامِ دونَ صَيْدِ الإحلالِ.

وقوله تعالى: «تَنَالُهُ أيْدِيكُمْ» يعني: الفَرْخَ والبَيْضَ، وما لا يَقْدِرُ أن يضِرَّ من صِغَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>