للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المشركين إلى مَوْضِع لا حَاكِم ولا آمِر إلا اللَّه، وهو قوله تعالى -: {ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} .

. قوله تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم}

فيه

وُجُوه:

أحدها: أنَّ محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خاتم النَّبِيِّين، فَخَلَفَتْ أمَّتْه سَائِرَ الأمَم، والخلائف: جَمْع خليفة؛ كالوَصَائف جَمْع وَصِيفَة، وكُلُّ من جَاءَ تبعاً له، فهو خَلِيفةَ؛ أنه يَخْلُفُه، أي: أهْلَك القُرُون المَاضِيَة، وجَعَلَكُم يا مُحمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خُلَفَاء مِنْهُم، تَخْلُفوهم في الأرْضِ وتَعْمرُونها بعدهم.

وثانيها: جعلهُم يَخلُف بعضُهم بعضاً.

وثالثها: أنَّهُم خُلَفَاء اللَّه في ارْضِه، يَمْلِكُونها ويتَصَّرفُون فيها.

قوله: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} : في الشَّرف، والعَقْل والمال، والجاه، والرِّزْقِ، {لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ} ليختبركُمْ فيما رَزَقَكُم، يَعْنِي: يَبْتَلِي الغَنِيَّ، والفَقِيرَ، والشَّريف، والوَضِيعَ، والحُر، والعَبْدَ، ليُظْهِر مِنْكُم ما يكُون عليه الثَّواب والعِقَاب، ثمَّ قال - تعالى - {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب} لأنَّما هُو آتٍ هو سريعٌ قريب.

وقيل: هو الهلاك في الدنيا «وإنَّه لغَفُورٌ رَحِيمٌ» .

قال عطاء: سَريع العقاب لأعْدَائه، غَفُور رحيمٌ لأوْلِيائه رحيم بهم، وأكد قوله: «لَغَفُورٌ» [باللام] دلالَة على سِعَة رَحْمَتِه، ولمْ يؤكد سُرْعة العِقَاب بذلك هُنَا، وإن كان قد أكَّد ذلك في سُورَة الأعْراف؛ لأنَّ هناك المقام مقام تَخْويفٍ وتهديد، وبعد ذِكْر قصَّة المُعْتَدين في السَّبْت وغيره، فَنَاسب تَأكِيد العِقَاب هُنَاكن وأتى بِصِيغَتَي الغُفْرَان والرَّحْمة، ولا بصيغَةٍ واحِدَة؛ دلالة على حِلْمِه، وسِعَة مغفرته، ورَحْمَتِه.

روى جابر بْن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «مَنْ قَرأ ثلاث آيات في أوَّل سُورة الأنعام إلى قوله: {وَيْعَلَم ما تَكْسِبون» وكل اللَّه به أرْبَعين ألْف ملكٍ، يَكْتُبُون لَهُ مِثْل أعمالهم إلى يوم القيامة، ويَنْزِلُ ملكٌ من السَّماء السَّابِعَة، ومعهُ مَرْزبة من حَديد، فإن أرادَ الشَّيْطان أن يُوسوسَ أو يُوحِي إلى قَلْبه، ضربه بها ضرباً، فكان بَيْنَه وبَيْنَه سبْعُون حِجَاباً، فإذا كان يَوْم القيامة يَقُول الرَّبُّ - سبحانه وتعالى - امْش في ظِلِّي، وكُلأ من ثِمَار جَنَّتي، واشرب من مَاءِ الكَوْثَرِ، واغْتَسِل من مَاء السَّلْسَبيل، وأنْتَ عَبْدِي وأنَا ربُّك «.

<<  <  ج: ص:  >  >>