للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: {إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة} قال القفال: تقرير الكلام أن يقال: إنَّ هؤلاء إنَّما عذبُوا في الدُّنيا لتكذيبهم الأنبياء، وإشراكهم بالله، فإذا عُذِّبوا في الدُّنيا على ذلك وهي دارُ العملِ، فلأنْ يُعذَّبُوا عليه في الآخرة التي هي دارُ الجزاءِ، كان أولى. وهذا قولُ كثير من المفسِّرين.

قال ابنُ الخطيب: وعلى هذا الوجه الذي ذكره القفالُ يكونُ ظهور عذاب الاستئصال في الدُّنيا دليلاً على أنَّ القول بالقيامة والبعث حقٌّ، وظاهرُ الآية يقتضي أنَّ العلم بأنَّ القيامة حق كالشرط في حصول الاعتبار بعذاب الاستئصال، وهذا المعنى كالمضاد لما ذكره القفال؛ لأنَّ القفال يجعل العمل بعذابِ الاستئصال أصلاً للعلم بأنَّ القيامة حق؛ فبطل ما ذكره القفالُ، والأصوبُ عندي أن يقال: العلم بأنَّ القيامة حق موقوف على العلم بأنَّ لوجود السموات والأرض فاعل مختار لا موجب بالذَّاتِ، وما لم يعلم الإنسان أنَّ إله العالم فاعل مختار وقادر على كل الممكمنات، وأنَّ جميع الحوادث الواقعة في السموات والأرض لا تحصلُ إلا بتكوينه وقضائه، لا يمكنه أن يعتبر بعذابِ الاسئصال؛ لأنَّ الذين يذهبون إلى انَ المؤثَر في وجود هذا العالم موجبٌ بالذَّات، لا فاعلٌ مختارٌ، يزعمون أنَّ هذه الأحوال التي ظهرت في أيَّام الأنبياء؛ كالغرق، والخسق، والمسخ، والصَّيْحة كلها إنما حدثت بسبب قرانات الكواكب وإيصال بعضها ببعض، وإذا كان الأمرُ كذلك، فحينئذٍ لا تكون حصولها دالاًّ على صدق الأنبياء.

فأما المؤمن بالقيامة؛ فلا يتم له ذلك الإيمانُ إلا إذا اعتقد أنَّ إله العالم فاعل مختار، وأنه عالمٌ بجمعي الجزيئات، وإذا كذلك لزم القطعُ بأن حدوث هذه الوقائع العظيمة إنَّما كان بسبب أنَّ إله العالم خلقها وأوجدها لا بسبب طوالع الكواكب

<<  <  ج: ص:  >  >>