للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأول: أنه سمع الملائكة يقولون: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء} [البقرة: ٣٠] فعرف ذلك.

والثاني: أنه وسوس إلى آدم - صلوات الله عليه - فلم يجدْ له عزماً، فقال: الظاهر أنَّ أولاده يكونون مثله في ضعف العزم.

وقيل: لأنه عرف أنه مركب من قوَّة بهيمية شهوانية، وقوَّة وهميَّة شيطانية، وقوة عقليَّة ملكيَّة، وقوَّة سبعيَّة غضبيَّة، وعرف أنَّ بعض تلك القوى تكون هي المستولية في أوَّل الخلقة، ثم غنَّ القوَّة العقلية إنما تكمل في ىخر الأمر، ومتى كان الأمر كذلك، كان ما ذكره إبليس لازماً.

قوله

تعالى

: {اذهب

فَمَن} : تقدَّم أن الباء تدغم في الفاء في ألفاظٍ منها هذه، عند أبي عمرو، والكسائي، وحمزة في رواية خلادٍ عنه؛ بخلاف في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك} [الحجرات: ١١] .

وهذا ليس من الذَّهاب الذي هو ضدُّ المجيء، وإنما معناه: امضِ لشأنك الذي اخترته، والمقصود التخلية، وتفويض المر إليه، كقول موسى - صلوات الله عليه -: {فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ} [طه: ٩٧] ثم قال عزَّ وجلَّ: {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً} .

فإن قيل: الأولى أن يقال: فإن جهنَّم جزاؤهم؛ ليعود الضمير إلى قوله: {فَمَن تَبِعَكَ} ؟ فالجواب من وجوهٍ:

الأول: تقديره: جزاؤهم وجزاؤكم؛ لأنه تقدَّم غائب ومخاطب في قوله: {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} فغلَّب المخاطب على الغائب، فقيل: جزاؤكم.

والثاني: يجوز أن يكون الخطاب مراداً به «مَنْ» خاصة، ويكون ذلك على طريق الالتفات.

والثالث: أنه - صلوات الله وسلامه عليه - قال: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سيِّئةً فَعليْهِ وِزْرُهَا ووِزْرُ مِنْ عَمِلَ بِهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ» فكل معصية توجد فيحصل لإبليس مثل وزْرِ ذلك العامل، فلما كان إبليس هو الأصل في كلِّ المعاصي، صار المخاطب بالوعيد هو إبليس.

قوله تعالى: «جَزَاءً» في نصبه أوجهٌ:

أحدها: أنّه منصوبٌ على المصدر، الناصب له المصدر قبله، وهو مصدر مبين لنوع المصدر الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>