للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا المسلمُون، فاحتجُّوا بالعَقْل على أنه تكلَّم، فقالوا: لولا كلامه الذي دلَّهم على براءة أمِّه عن الزِّنا، لما تركُوا إقامة الحدِّ عليها، ففي تَرْكِهِمْ لذلك دلالةٌ على أنَّه - صلوات الله عليه - تكلَّم في المَهْدِ.

وأجابُوا عن الشُّبْهة الأولى بأنَّه ربَّما كان الحاضرُون عند كلامه قليلين؛ فلذلك لم يشتهر.

وعن الثاني: لعلَّ اليهُود ما حَضَرُوا هناك، وما سَمِعُوا كلامهُ، وإنَّما سَمِعَ كلامهُ أقاربهُ؛ لإظهارِ براءَة أمّه؛ فلذلك لم يَشْتَغِلُوا بقَتْلِه.

قوله

تعالى

: {ذلك

عِيسَى ابن مَرْيَمَ} : يجوز أن يكون «عِيسَى» خبراً ل «ذلك» ويجوز أن يكون بدلاً، أو عطف بيان، و «قَوْلُ الحقِّ» خبره، ويجوز أن يكون «قَوْلُ الحقِّ» خبر مبتدأ مضمرْ، أي: هو قولُ، و «ابْنُ مَرْيَم» يجوز أن يكُونَ نعتاً، أو بدلاً، أو بياناً، أو خبراً ثابتاً.

وقرأ عاصمٌ، وحمزةُ، وابنُ عامر «قَوْلَ الحقِّ» بالنَّصب، والباقون بالرفع، فالرفع على ما تقدَّم، قال الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «وارتفاعه على أنَّه خبرٌ، بعد خبرٍ، أو بدلٌ» . قال أبو حيَّان: «وهذا الذي ذكرُهُ لا يكُونُ إلَاّ على المجازِ في قولِ: وهو أن يراد به كلمةٌ اللهِ، لأنَّ اللفظ لا يكُونُ الذَّات» .

والنَّصْبُ: يجوزُ فيه أن يكون مصدراً مؤكَّداً لمضمُون الجملة؛ كقولك: «هُوَ عَبْدُ الله الحقَّ، لا الباطِلَ» أي: أقولُ قول الحقِّ، فالحقُّ الصِّدقُ، وهو من إضافةِ الموصوف إلى صفته، أي: القول الحقَّ؛ كقوله: {وَعْدَ الصدق} [الأحقاف: ١٦] أي: الوعد الصِّدق، ويجوز أن يكون منصوباً على المَدْحِ، إن أريد بالحقِّ الباري تعالى، و «الَّذِي» نعتٌ للقول، إن أريد به عيسى، وسُمِّي قولاً كما سُمّي كلمةً، لأنه عنها نشأ.

وذلك أنَّ الحق هو اسمُ الله تعالى، فلا فرق بين أن نقول: عيسى هو كلمة الله، وبين أن نقول: عيسى قولُ الحقِّ.

وقيل: هو منصوبٌ بإضمار «أعْنِي» وقيل: هو منصوبٌ على الحالِ من «عيسَى» ويؤيِّد هذا ما نُقِلَ عن الكسائيَّ في توجيهِ الرفعِ: أنه صفةٌ لعيسى.

وقرأ الأعمشُ «قالُ» برفع اللَاّم، وهي قراءةُ ابن مسعودٍ أيضاً، وقرأ الحسن «قُولُ» بضم القاف، ورفع اللام وكذلك في الأنعام {قَوْلُهُ الحق} [الأنعام: ٧٣] ، وهي مصادر لِ «

<<  <  ج: ص:  >  >>