للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُرْوَة عروةً، فكلما انتقضت عروة تشبث الناسُ بالتي تليها، فأوَّلهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة" (٣٢) فكان سقوط الخلافة أول دركة انحطت بعدها الأمة إلى ما يليها من دركات سلخهَا من خصائصها المتميزة التي طالما احتفظ بها المسلمون رغم تقلبات القرون والمحن، تلك الخصائص التي أورثتهم عبر الأجيال عزة ومنعة أذلوا بها رؤوس الجبابرة، وكسروا ظهور الأكاسرة، وقصموا رقاب القياصرة.. وهذا شوقي يصرخ عقب انهيار الخلافة متوقعا ما يمكن أن تتمخض عنه تلك الفتنة (٣٣) :

فَلَتَسمَعُن بكلِّ أرض داعيًا ... يدعو إلى "الكذاب" أو لِسَجَاحِ (٣٤)

وَلَيُشْهَدَنَّ بكل أرض فِتْنةٌ ... فيها يبَاعُ الدينُ بيع سَمَاحِ

ورحم الله الإمام عبد الله بن المبارك إذ قال: (٣٥)

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ... منه بعروته الوثقى لمن دانا

كم يدفع الله بالسلطان معضلة ... في ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا


(٣٢) أخرجه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه الإمام أحمد (٥/٢٥١) ، وابن حبان (٢٥٧- موارد) ، والحاكم (٤/٩٢) وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (٥/١٥) ، رقم (٤٩٥١) .
(٣٣) "الشوقيات (١/ ١٠٩) .
(٣٤) المراد بالكذاب "مسيلمة" الذي ادعى النبوة، وادعى أنه أشْرِكَ مع النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة، ثم جاء بقرآن يضحك الناس، وتزوج "سجاح" التي ادعت هي الأخرى النبوة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا لمسيلمة حين تزوجها: لابد لها من مهر، فقال: مهرها أني أسقطت عنكم صلاتي الفجر والعتمة، ثم إنها رجعت عن غيها وأسلمت، وما زالت تبين فضائح مسيلمة حتى قتل - انظر "صيد الخاطر" لابن الجوزي (ص ٥٠١-٥٠٣) ، "البداية والنهاية" (٥/ ٥١، ٥٢) ، (٦/٣٢٦) .
(٣٥) "غذاء الألباب" للسفاريني (١/١٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>