للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وتعكف على راحته، وهذه الصلة الوثيقة التي تربط الأم بطفلها تبلغ ذروتها وأوج قوتها في الأسابيع ثم الأشهر الأولى من ولادته، إذ يبلغ بها الأمر أن تعكف عليه عكوفًا يشبه عبادة العابد، ونسك الناسك، بل تستطيع الأم أن تجعل عملية الإرضاع عبادة سامية إذا استحضرت النية الصالحة من ورائها، لتجني ثمارها كل حين بإذن ربها:

روى أن عمرو بن عبد الله قال لامرأة ترضع ابنًا لها: " لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدَها قد عطفت عليه من الرحمة بالرحم، ولكن أرضعيه تتوخين ابتناء ثواب الله، وأن يحيا برضاعك خَلْق عسى أن يوحِّد الله ويعبده " (١٢٤٠) .

إن للطفل حقا ثابتًا على أبويه في الرعاية والعطف والتربية، ومن هنا توجه الخطاب القرآني إلى كل والدة سواء كانت مزوجة أو مطلقة يستحثها ويندبها إلى الاهتمام برضاعة طفلها، فقال جل وعلا: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) الآية البقرة (٢٣٣) .

ويثني الله تعالت أسماؤه على الأم إذ تتحلى بهذه السجية الإنسانية، ويعلن ما تستوجبه بهذه العاطفة من التكريم فيقول: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفِصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلي المصير) لقمان (١٤) .

والواقع أن هذا الوضع التشريعي الذي أمر به القرآن هو تحديد وفرض للوضع الطبيعي الذي بنيت عليه غريزة الأم، وانبنى عليها كيان الطفل، إن إرضاع الأم طفلها واجب عليها ديانة باتفاق الفقهاء، تُسأل عنه أمام الله تعالى حفظا على حياة الولد، سواء كانت متزوجة بأبي الرضيع،


(١٢٤٠) عزاه في " منهج التربية النبوية للطفل" ص (٧٢) إلى " نصيحة الملوك" للماوردي ص (١٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>