للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من معرتنا أمانتك، وإن وجدناك قوياً خائناً استهنا بقوتك، وأحسنا عَلَى خيانتك أدبك، وأوجعنا ظهرك وثقلنا غرمك، وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدنا فِي عملك ورفعنا ذكرك، وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ عبد الله بن مصعب الزبيري، قَالَ: كنا بباب الفضل بن الربيع والآذن يأذن لذوي الهيئات والشارات، وأعرابي يدنو فكلما دنا صرخ به، فقام ناحيةً وأنشأ يقول:

رأيت آذننا يعتام بزتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام

ولو دعينا عَلَى الأحساب قدمني ... مجدٌ تليدٌ وجدٌ راجحٌ نامي

متى رأيت الصقور الجدل يقدمها ... خلطان من رخمٍ قزعٍ ومن هام

وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لطفيل الغنوي:

وأصفر مشهوم الفؤاد كأنه ... غداة الندى بالزعفران مطيب

تفلت عليه تفلةً ومسحته ... بثوبي حتى جلده متقوّب

يراقب إيحاء الرقيب كأنه ... لما وتروني أول اليوم مغضب

أصفر يعني قدحاً، مشهوم الفؤاد أي كأن فؤاده مذعور من سرعة خروجه، والشهم الحديد الفؤاد الذكي، وقوله: بالزعفران، أراد: قد أصابه الندى فاصفر كأنه مطيب بالزعفران، وروى الأصمعي: وأصفر مسموم الفؤاد يعني قدحاً محزوز الصدر، وكل ثقب فهوسم وسمٌّ، فجعل الحز ثقباً وجعل صدر القدح فؤاده، وقوله تفلت عليه، يقول: كان ضرب به فتترب، فتفلت عليه ومسحته بثوبي ليتملس فيكون أسرع لخروجه، ومتقوب: متقشر: وقوابته قشره، وقوله: يراقب إيحاء الرقيب، يقول: كأن هذا القدح بصير بما يراد منه، فهو يلامح الرقيب، فإذا قيل للمفيض: أفض، فكأنه يوحي إليه إيحاء، وقوله: لما وتروني، يقول: كأنه مغضب لقهرهم إياي فِي أول النهار فهو يثار لي.

<<  <  ج: ص:  >  >>