للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جذبه فسقط، فقَالَ مصقلة: يا أمير المؤمنين، قد أبقى الله منك بطشاً وحلماً راجحاً، وكلأً ومرعىً لوليّك، وسمّاً ناقعاً لعدوّك، ولقد كانت الجاهلية فكان أبوك سيّداً، وأصبح المسلمون اليوم وأنت أميرهم، فوصله معاوية وردّه، فسئل عَنْ معاوية، فقَالَ: زعمتم أنه كبر وضعف، والله لقد جبذني جبذةً كاد يكسر منّى عضواً، وغمز يدي غمزةً كاد يحطمها!

أنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي لكعب الغنوىّ، يقول لابنه عَلَى:

أعلىّ إن بكرت تجاوب هامتي ... هاماً بأغبر نازح الأركان

وعلمت ما أنا صانعٌ ثم انتهى ... عمري وذلك غاية الفتيان

وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلجّ فِي العصيان

فاعمد لما تعنوا فما لك بالذّي ... لا تستطيع من الأمور يدان

وإذا سئلت الخير فاعلم أنه ... نعمى تخصّ بها من الرّحمن

شيمٌ تعلّق بالرّجال وإنما ... شيم الرجال كهيئة الألوان

[وصية رجل أعمى من الأزد لشاب يقوده وشرحها]

قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ هشام بن محمد بن السائب، عَنْ أبيه، قَالَ: رأيت ببيشة رجلاً من أزد السّراة أعمى يقوده شابٌ جميلٌ وهو يقول له: يا سمىّ، لا يغرّنّك أن فسّح الشّباب خطوك، وخلّى سربك، وأرفه وردك، فكأنك بالكبر قد أرب ظوفك، وأثقل أوقك، وأوهن طوقك، وأتعب سوقك، فهدجت بعد الهملجة، ودججت بعد الدّعلجة، فخذ من أيام التّرفيه لأيّام الإنزعاج، ومن ساعات المهلة لساعة الإعجال، يا ابن أخي، إنّ اغترارك بالشّباب كالتذاذك بسمادير الأحلام، ثم تنقشع فلا تتمسك منها إلا بالحسرة عليها، ثم تعرّى راحلة الصّبا، وتشرب سلوةً عَنِ الهوى، واعلم أن أغنى الناس يوم الفقر من قدّم ذخيرة، واشدهم اغتباطاً يوم الحسرة من أحسن سريرة: السّرب: الطريق والوجه، قَالَ ذو الرمة:

خلّى لها سرب أولادها وهيّجها ... من خلفها لاحق الصّقلين همهيم

<<  <  ج: ص:  >  >>