للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالدَّيْنِ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِيهِ أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا بِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَمْلِيكٌ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَزِمَ أَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَيْدَ التَّبَرُّعِ لِإِخْرَاجِ التَّمَلُّكِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ نَحْوِ الْهِبَةِ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكُ تبرع للْحَال.

قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ: يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ تَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَتَأَمَّلْهُ إلَى دِقَّةِ الْجَوَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِحَقِّهِ تَعَالَى لَمَّا سَقَطَ بِالْمَوْتِ أَشْبَهَ التَّبَرُّعَ وَلَمْ يَكُنْ كَدُيُونِ الْعِبَادِ اه ح.

أَقُول: هَذَا مَبْنِيّ على أَن التَّبَرُّع: مَا إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مَجَّانًا لَا بِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى) عِبَارَتُهُ: وَالْوَصِيَّةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالدّين الْمَجْهُولَةِ.

وَمُسْتَحَبَّةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَفِدْيَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهَا.

وَمُبَاحَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ.

وَمَكْرُوهَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي اه.

وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِمَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ: الْوَصِيَّةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ اه.

شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.

وَمَشَى الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِع.

وَفِي المواهي: تَجِبُ

عَلَى مَدْيُونٍ بِمَا عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَلا لِلْعِبَادِ، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حُقُوقِهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَمَا مَرَّ مِنْ سُقُوطِ مَا وَجَبت لِحَقِّهِ تَعَالَى بِالْمَوْتِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ سُقُوطُ أَدَائِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى: أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّقْسِيمُ إلَى الْأَرْبَعَةِ.

تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَمُبَاحَةٌ لِغَنِيٍّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ الصَّلَاحِ إعَانَةً لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ رَحِمًا كَاشِحًا أَوْ ذَا عِيَالٍ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا.

تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَمَكْرُوهَةٌ لِأَهْلِ فُسُوقٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: لَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيَتَصَدَّقَ، وَالسَّارِقَ يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ السَّرِقَةِ، وَالزَّانِيَةَ عَنْ الزِّنَا.

وَكَانَ مُرَادُهُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا لِلْفُسُوقِ وَالْفُجُورِ اه.

رَحْمَتِيٌّ.

أَقُولُ: وَظَاهِرُ مَا مرص أَنَّهَا صَحِيحَةٌ، لَكِنْ سَيَأْتِي آخِرَ بَابِ الْوَصِيَّةِ للاقارب تَعْلِيل القَوْل بِبُطْلَان الْوَصِيَّة مَا مرص أَنَّهَا صَحِيحَة، لَكِن سَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ إذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهَا مَا يُبْطِلُهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: * (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) * (الْبَقَرَة: ١٨٠) الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ النِّسَاءِ آيَةُ الْمَوَارِيثِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِأَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ.

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَنَسْخُ الْكِتَابِ جَائِزٌ عِنْدَنَا بِمثلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>