للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضًا على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئًا ولا يقوم لها شيء.

قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة.

فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، وثاورته فاحتملني، وضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني، وكنت رجلا ضعيفًا، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة فلقت في رأسه شجة منكرة، وقالت، استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام موليًا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله تعالى بالعدسة فقتلته١, وكانت نهاية أبي لهب على نحو يعادل جريمته لأن العدسة قرحة كانت العرب تتشائم بها ويرون أنها تعدي أشد العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثة أيام، لا يقترب أحد من جثته، ولا يحاول أحد دفنه، فلما خاف بنوه السبة في تركهم له دفعوه بعصا في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى تغطت جثته٢.

يروي بن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: ناحت قريش على قتلاها بمكة شهرًا، وجز النساء شعورهن، وما أن يؤتى براحلة الرجل منهم، أو بفرسه، إلا وتوقف بين أظهر النساء، ويسترنها بالستور حولها، وينحن حولها، ويخرجن إلى الأزقة صائحين ثم قالوا: لا تفعلوا ذلك فيبلغ محمدًا وأصحابه فيشمتوا فيكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم، حتى لا يتعالى عليكم محمد وأصحابه في الفداء.

وشعر القرشيون بعد هزيمتهم في بدر بهوان شديد عملوا على التخلص منه، فلما عادوا إلى مكة وجدوا أن أبا سفيان أوقف عير القافلة والأموال التي عاد بها من الشام في دار الندوة، ولم يحركها، ولم يوزعها على أصحابها، فاتفق كبراؤهم على أن يجهزوا بها جيشًا كثيفًا لقتال محمد صلى الله عليه وسلم والأخذ بثأر هزيمتهم في بدر، فباعوا الإبل التي بلغت ألف بعير، وضموها إلى الأموال التي بلغت خمسين ألف دينار، بعد أن أخذوا أرباحهم، وقدرها خمسون ألفًا أخرى، وكان الدينار يربح مثله٣.


١ تاريخ الطبري ج٢ ص٤٦٢ والعدسة قرحة قاتلة مثل الطاعون.
٢ المرجع السابق ج٢ ص٤٦٣.
٣ إمتاع الإسماع ج١ ص١١٣.

<<  <   >  >>