للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين]

لما انهزم المشركون، وولوا الأدبار، أقبل المسلمون على الغنائم والأسلاب، وهنا جاء خطأ الرماة تركوا الجبل، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره لهم وهو ينظم المعركة، وغرتهم الأسلاب والغنائم، وقال بعضهم لبعض: تقيمون ها هنا في غير شيء؟

قد هزم الله العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم! فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم!!

فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم: "احموا ظهورنا، ولا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا".

فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا، وانطلقوا، فلم يبق منهم مع أميرهم عبد الله بن جبير إلا دون العشرة، وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون١.

انتهز خالد بن الوليد فرصة ترك الرماة لمكانهم، وكان قريبًا منه على ميمنة خيل المشركين، فهجم على موضع الرماة، واحتله بفرسانه، وتمكن وجنوده من قتل قائد الرماة عبد الله بن جبير رضي الله عنه وجرح من بقي معه، ولم يفطن المسلمون لهذه المباغتة, وصاح خالد في قريش ليعودوا إلى الميدان مرة أخرى، ويلتقوا وراء المسلمين، فعادت قوات قريش المهزومة للقيام بهجوم جديد، بينما خالد وفرسانه يحكمون قبضتهم على جبل الرماة، الموجود خلف المسلمين، وبذلك أصبح المسلمون محاطين من كافة جوانبهم، وتحرج موقفهم وصاروا عرضة للسهام تأتيهم من كل جانب، فانهارت مقاومتهم، وبخاصة أن صفوفهم لم تكن ثابتة في مواضعها، لتستطيع الصمود بعد تبعثر أفرادها لجمع الغنائم.

تفككت صفوف المسلمين وقام إبليس بمهمته فنادى عند جبل عينين وظهر للناس في صورة جعال بن سراقة وصرخ في الناس إن محمدًا قد قتل، ثلاث صرخات دوت في الوادي٢.

وبهذه الصورة تحول الموقف بسرعة كبيرة، وعاد المشركون من هزيمتهم إلى انتصار يتحقق، وبعدما كان المسلمون يعيشون فرحة الانتصار صاروا إلى هزيمة مؤلمة، وتخبط حالهم، واختلط توجههم، وتداخل المسلمون، وصاروا يقتتلون فيما بينهم، ويضرب بعضهم بعضًا ولا يشعرون بسبب ما هم فيه من العجلة، والدهشة، والمفاجأة.

وجرح أسيد بن حضير جرحين، ضربه أحدهما أبو بردة بن نيار وهو لا يدري.


١ انظر صحيح البخاري كتاب المغازي ج٦ ص٢٨٧.
٢ المغازي ج١ ص٢٣٢ وهذا ابتلاء نزل بجعال لأنه كان يقاتل في صفوف المسلمين فظن المسلمون أنه ارتد حين صاح إبليس فيهم.

<<  <   >  >>