للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقبلت الفرسان في عزيمة وقوة وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم "بدر" حتى ثبتته الجراحة، فلم يشهد "أحدا" فلما كان يوم "الخندق" خرج معلمًا ليرى مكانه فلما خرج هو وخيله قال: من يبارز؟

فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه.

قال: أجل.

قال له علي: فإني أدعوك إلى الله، وإلى رسول الله، وإلى الإسلام.

قال: لا حاجة لي بذلك.

قال: فإني أدعوك إلى النزال.

قال له: لم يابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك.

قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك.

فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي رضي الله عنه فتنازلا، وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه، وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق وولت هاربة إلى حيث يوجد الأحزاب١.

ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل، فقال له عمر بن الخطاب: هلا استلبته درعه فإنه ليس للعرب درع خير منها؟

فقال علي رضي الله عنه: ضربته فاتقاني بسوءته، فاستحييت من ابن عمي أن أسلبه، وبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفته بعشرة آلاف، فقال: "هو لكم لا نأكل ثمن الموتى". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ادفعوا إليهم جيفته، فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية". ولم يقبل منهم شيئًا٢.

تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني، فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة، ويقول: "ما


١ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص٢٨٥، ٢٨٦.
٢ إمتاع الأسماع ج١ ص٢٣٤.

<<  <   >  >>