للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعمرك إني حين أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد

لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدى فأهتدي

هداني هاد غير نفسي ودلني ... على الله من طردته كل مطرد

فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: "أنت طردتني كل مطرد" ١. {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ٢.

وواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، حتى بلغ "الكديد" وهو ماء بين عسفان وقديد، فأفطر وأفطر الناس معه، ثم واصل سيره حتى نزل بمر الظهران في وادي فاطمة، نزله عشاء، فأمر الجيش بإيقاد النيران فأوقدت عشرة آلاف نار، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وركب العباس بعد نزول المسلمين بمر الظهران بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وخرج يلتمس أحدًا يخبر قريشًا ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها.

وكان الله قد عمى الأخبار عن قريش، فهم على وجل وترقب، وكان أبو سفيان يخرج ومعه حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار.

قال العباس: والله إني لأسير على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا.

ويقول بديل: هذه والله خزاعة، خمشتها الحرب.

فيقول أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.

وقال العباس: أبا حنظلة؟ فعرف أبو سفيان صوته.

قال: أبا الفضل؟

قلت: نعم.

قال: ما لك؟ فداك أبي وأمي.

قلت: والله لئن ظفر بك أحد من المسلمين ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه


١ بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني ج٢١ ص١٤٥.
٢ سورة يوسف: ٩٢.

<<  <   >  >>