للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا هو أو أقرب الناس إليه من عصبته النسبية.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أبي بكر رضي الله عنه أن يخالف المشركين, فيقف يوم عرفة بعرفة ولا يقف بجمع "مزدلفة" ولا يدفع من عرفة حتى تغرب الشمس، ويدفع من جمع قبل طلوع الشمس، فخرج أبو بكر رضي الله عنه حتى أتى مكة وهو مفرد بالحج، فخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر، وطاف يوم التروية حين زاغت الشمس بالبيت سبعًا ثم ركب راحلته من باب بني شيبة، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، ولم يركب حتى طلعت الشمس على ثبير١، فانتهى إلى نمرة٢، فنزل في قبة من شعر فقال فيها، وركب راحلته لما زاغت الشمس، فخطب ببطن عرفة، ثم أناخ فصلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم ركب راحلته فوقف بالهضاب من عرفة، فلما أفطر الصائم دفع يسير العنق حتى نزل بجمع قريبًا من النار التي على قزح٣ فلما طلع الفجر صلى الفجر ثم وقف فلما أسفر دفع وجعل يقول في وقوفه: "يا أيها الناس، أسفروا". ثم دفع قبل الشمس، وكان يسير بهدوء حتى انتهى إلى "محسر"٤ فأوضع راحلته لتسرع، فلما جاز وادي محسر عاد إلى مسيره الأول، حتى رمى الجمرة راكبًا بسبع حصيات، ثم رجع إلى المنحر فنحر، ثم حلق.

وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم النحر عند الجمرة براءة، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان".

وخطب أبو بكر رضي الله عنه يوم النحر بعد الظهر على راحلته، وأقام يرمي الجمار ماشيًا ذاهبًا وجاثيًا فلما رمى يوم الصدر هو "اليوم الرابع"، وجاوز العقبة ركب، وصلى بالأبطح الظهر والعصر وصلى بمكة المغرب والعشاء، ثم خرج من ليلته قافلا إلى المدينة٥ ولما علم العرب جميعًا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرأ من الشرك والمشركين، ونقض العهود التي عاهدهم عليها, وأعطاهم مهلة أربعة أشهر ليستريحوا في الأرض آمنين، ويختاروا لأنفسهم ما يريدون.

لما حدث ذلك أقبل على الإسلام من كان مترددًا, فأسلم مشركو مكة, وأقبلت وفود معان، وغسان من الشمال، وغامد، ونجران من الجنوب وهكذا جاءت الوفود من الأماكن النائية لتعلن تمام إسلام الجزيرة كلها ودخول أبنائها في دين الله تعالى.


١ ثبير مرتفع عال بمنى.
٢ نمرة واد بجوار عرفة وهو ليس منها.
٣ قزح المرتفع الذي يقف عليه الإمام عند المزدلفة.
٤ محسر واد صغير يقع بين المزدلفة ومنى يستحب الإسراع حين المشي فيه.
٥ المغازي ج٣ ص١٠٧٨.

<<  <   >  >>